Liban, des Guerres et Des Hommes «لبنان، حروب ورجال» وثائقي طويل للمخرج والمنتج الفرنسي فريديريك لافون، الذي عايش فترات متعددة من الحرب الأهلية اللبنانية. الفيلم الممتد على ثلاثة أجزاء (مدة كل جزء 52 دقيقة) عرضته قناة «فرانس 5» أخيراً. كان لافتاً احتواء الشريط على أرشيف نادر وغني للأحداث التي لا تنقطع الا لتمرير مقابلات حية شملت أناساً عاديين، واستبعدت الشهادات التقليدية للزعماء السياسيين.
الجزء الأول (1975ــ 1982) يروي بدايات الشرخ بين المسيحيين والفلسطينيين «المدعومين من اليسار». ترافق ذلك مع شهادات من الطرفين، بينما تتجول الكاميرا في أمكنة مختلفة، ونستمع إلى شهادة من سائق بوسطة عين الرمانة، وشهادة من المعمارية والناشطة منى حلاق أمام «مبنى بركات» أو ما يعرف بالبيت الأصفر المدروز بالرصاص في منطقة السوديكو. تُستعاد أسماء المجازر من الدامور إلى تل الزعتر، ودخول الجيش السوري، وينتهي بالاجتياح الاسرائيلي عام 1982. يبدأ الجزء الثاني (1982- 1990) من صور هذا الاجتياح من دون أن يظهر غطرسته، ويؤرخ لنشوء «حزب الله» و«دخول إيران على المشهد اللبناني»، ويعرض لضرب القوات الفرنسية والأميركية اللتين كانتا «ضحية الحرب»، بينما يغفل «حرب الإلغاء» بين ميشال عون وسمير جعجع، و«حرب التحرير» بين عون والنظام السوري. ويبدو ذلك غريباً مقارنةً باستفاضة الفيلم في الحديث عن الفلسطينيين والاحزاب الإسلامية. أما الجزء الثالث (1990ــ 2012)، فيبدأ بتوقف الحرب، وإعادة إعمار وسط بيروت على يد رفيق الحريري «المقاول الذي بنى ثروته من السعوديين»، ويعرّج على غياب قصة هذه الحرب عن الصروح التعليمية، ويقفز الى عام 2005 حيث انقسم اللبنانيون من جديد بين 8 و14 آذار، وتبدأ الشهادات القائلة بأنّ «الربيع العربي» بدأ من ساحة الشهداء في تظاهرة 14 آذار، وخروج القوات السورية «بعد 20 عاماً من الاحتلال» مع تغييب التظاهرات الأخرى، واستبعاد الكلام عن الطرف الثاني، والتركيز على ما فعلته الاستخبارات السورية بمعارضيها اللبنانيين، بينما تمرّ حرب تموز 2006 مرور الكرام من دون ذكر المجازر والفظاعات التي حصلت. ثم يدخل المشاهد الى معهد رقص، حيث يعلّمنا الراقص كيف نخرج من ويلات الحرب ومعالجة ذواتنا عبر هذا الفن! ويستكمل المخرج حديثه عن السوريين و«تورطهم» في الاغتيالات، وفي أحداث طرابلس الأخيرة بين موالين ومعارضين لهم.
في الختام، نشاهد انقساماً في الآراء بين امكان حمل السلاح مجدداً، والاعتذار من المتضررين في هذه الحرب العبثية التي «لم يعرف كيف بدأت وانتهت وهل رسا السلام فعلياً». يقفل الفيلم كما بدأ على إعادة مشاهد الازدهار اللبناني بالأبيض والأسود في حقبة البحبوجة والعيش المشترك كأنّها أمنية يطلقها المخرج الذي لا ينجو من الانحياز لطرف ضد آخر.