هذا الأسبوع، ينطلق في الصالات اللبنانية عرض فيلم «قصة ثواني» للمخرجة لارا سابا (1979). الشريط الذي سبق أن شاهدناه في عرض بيروتي يتيم خلال افتتاح «مهرجان بيروت الدولي للسينما» (الأخبار 3/10/2012)، شارك في بعض المهرجانات الدولية، منتزعاً جائزة وحيدة كانت من نصيب الممثل الفتى علاء حمود.
يكمل «قصة ثواني» (سيناريو نبال عرقجي) مشواره اليوم كما كان مخططاً له، منتقلاً من المهرجانات إلى الصالات التجارية. بعدما كوفئت المخرجة معنوياً، جاء دور الاختبار الحقيقي عند شباك التذاكر. تجربة الأفلام اللبنانية في الصالات المحلية لا تزال مغامرة؛ فالمنافسة ليست متكافئة مع الأفلام الهوليوودية المتسلحة بميزانية تبلغ عشرات الملايين من الدولارات، وخصوصاً تلك المدعمة بجوائز «غولدن غلوب» وترشيحات «الأوسكار» التي يتزامن عرضها في لبنان مع فيلم لارا سابا. لكن من ناحية أخرى، أسّست التراكمات السينمائية المحلية نوعاً من الثقة بالإنتاج الوطني، يمكن فيلم «قصة ثواني» الاعتماد عليه، هو الفائز حديثاً بجائزة أفضل ممثل خلال الدورة الـ39 من «المهرجان الدولي للسينما المستقلة» في بروكسل.
لم تكن سابا تعرف أنّ علاء حمود، فتى النراجيل الذي قابلته مصادفة خلال بحثها عن موقع لتصوير شريطها، سيقودها إلى هذه الجائزة، وسيكون النجم الذي سيغطي على كامل أبطال الشريط ويحقق لها جائزتها اليتيمة في باكورتها السينمائية الطويلة. حمود ابن الاثني عشر ربيعاً، تألق في دور مروان، وبرع في تجسيد شخصية غير عادية، هو الذي واجه ضغوط الحياة باكراً بعدما ترك مدرسته ليعمل في محل للنراجيل في منطقة برج حمود في بيروت.
الدور الذي برع فيه علاء ليس دوراً مهذباً لفتى البيت المنمق الذي شاهدناه غالباً في أفلام لبنانية تقليدية، بل أدى شخصية طفل ترعرع في بيئة عاطلة، تحتاج إبداعاً وممثِّلاً يعرف كيف ينقل عفويته من الشارع إلى الكاميرا. مروان، الشخصية التي جسدها علاء حمود، يعيش مع والدته السيئة السمعة والسلوك، ويتعرض للاغتصاب المنظم من عشيقها قبل أن يتمرّد عليها ويخرج إلى الشارع. بدا مقنعاً إلى درجة فوزه بالجائزة المذكورة، ما أسهم في رفع حظوظ الشريط اللبناني الذي حاولت مخرجته الاستثمار في قصة الفيلم والممثلين بسبب شحّ التمويل والإنتاج المحليين، إلاّ لمن استطاع إلى التمويل الأوروبي سبيلاً.
بنت سابا قصتها على ثلاث شخصيات تشكّل كل منها محوراً مستقلاً، لا يربط بينها إلا المدينة الواحدة بما تحويه من مآسٍ وألم كأننا في ثلاثة أفلام ضمن فيلم واحد، ما يذكّرنا بأعمال المكسيكي اليخاندرو غونزاليس إيناريتو. بالإضافة إلى قصة مروان، يلاحق الفيلم قصة نور (غيدا نوري) التي تفقد عائلتها في حادث سير، فتواجه الفقر المدقع واستغلال الآخرين لفقرها وحاجاتها، وصولاً إلى انديا (كارول الحاج) المرأة التي تمتلك كل ما تريده في الحياة باستثناء الأمومة، فتعيش في غصّة لا تقوى على تخطيها. تتخذ الأحداث في الفيلم منحى درامياً أسود حتى تتقاطع القصص الثلاث جغرافياً وزمنياً من دون أن تلتقي؛ إذ فضلت المخرجة عدم الدخول في بناء علاقة جدية بين الشخصيات أو ترك رابط درامي في ما بينها، ولو فعلت ذلك، لاستطاعت منح الفيلم قصة أفضل وأكثر عمقاً.
يُعَدّ العمل من الأفلام الدرامية السوداء التي تنقل المشاهد إلى عالم مأسوي، فتتعمّد المبالغة في العقد الدرامية لإيصال الرسالة. غير أنّ هذا النوع من الأفلام هو امتحان صعب لفيلم محلي... فهل تنجح لارا سابا في كسب معركة شباك التذاكر بعد فوزها بمعركة المهرجانات؟ فلننتظر ونرَ.



«قصة ثواني»: بدءاً من 21 شباط (فبراير) في صالات «غراند سينما»، و«أمبير»