بين كتابة المقالات الأسبوعيّة في مجلة «الشبكة» والإطلالات التلفزيونيّة في برنامجه «مسا النور» الذي يعرض على «تلفزيون لبنان» (كل مساء جمعة)، لا يستغني عبد الغني طليس عن القصيدة في يومياته. احتفل أخيراً بمرور ست سنوات على برنامجه الذي قدم خلاله أكثر من 300 حلقة، ووصل عدد ضيوفها إلى ما يقارب الألف. خلال الأسبوع الماضي، احتفى بديوانه الجديد «فوق رؤوس العالمين» الذي يزيّن غلافه لوحة «عنتر وعبلة» للرسام الراحل رفيق شرف.
والديوان هو رابع كتبه بعد «هيك بحبّك حبيبتي» (باللهجة المحكيّة - 1975)، وقد وضعه بعد مشاركته في «استديو الفن 74» عن فئة الشعر الغنائي، ثم «صعد الى حبّه وقال» (باللغة الفصحى - 1995)، و«ما تيسّر» وهو بحث شخصي عن الأخوين رحباني (2010).
أراد طليس أن يكون ديوانه مختلفاً، ليس في مضمونه فقط، بل في طريقة الترويج له. فقد دعا إلى ندوة شعرية في «قصر الأونيسكو»، لا إلى حفل توقيع كتاب، ووزع ديوانه على الحاضرين «لأنني بتّ أشعر بأن مناسبات التوقيع تحوّلت إلى ما يشبه التسوّل من أجل 10 أو20 دولاراً ثمن الكتاب، وكلما وصلتني دعوة إلى حفل، أرى فيها مذكرة جلب، لذا طبعت الكتاب ووزعته على الحاضرين من دون مقابل» يقول طليس لـ«الأخبار».
الاختلاف الثاني الذي يميز الكتاب هو بصمة الشاعر. لم يكتب إهداءات، بل اعتبر أن «البصمة تعبّر عن صاحبها وهي ليست كلاسيكية، ولم يتم استخدامها سابقاً». أما الاختلاف الثالث فيتمثل في قصيدة «أبو مدى ينصرف إلى نفسه». هنا يختصر سيرته شعراً، ويفاخر بأنها المرّة الأولى التي يجرؤ فيها شاعر على اختصار حياته بأبيات، لخّص محطات من حياته الشخصيّة، مطعّمة بنفس نقدي. يرى أنّ القصيدة تشكّل فتحاً شعرياً جديداً، معلّقاً: «اعتاد الشعراء العرب كتابة سيرهم الذاتية نثراً أدبياً أو رواية، ما خلا بعض الذكريات أو بعض التجارب المحددة في حياتهم». ويطرح سؤالاً لا يخلو من النرجسية «هل نكون أمام نوع شعري جديد هو قصيدة السيرة الذاتية؟». قصيدة تتألف من 15 صفحة، كتبها خلال 48 ساعة وظل يعدل فيها سنة كاملة.
ما دام يعتز إلى هذا الحدّ بهذه القصيدة، فلمَ لم يجعلها عنواناً لديوانه؟ يقول إنّ «اسم الكتاب يخضع لعوامل عدة، إذ ينبغي أن يكون جذاباً، وأعتقد بأن «فوق رؤوس العالمين»، يخلق فضولاً لمعرفة ما هو الذي فوق رؤوس العالمين». ويعود إلى القصيدة التي يعترف فيها بفشله في التلفزيون كممثل فقط، لكنه يتجاوز المتنبي أحياناً في بيته «أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي/ وأسمعت كلماتي من به صمم». في موازاة اعترافه بفشل واحد في حياته، يرفض تهمة الفشل في التقديم، ويردّ على من ينتقدون أداءه، وخصوصاً استخدامه للكنته البعلبكية في برنامجه «مسا النور»، بـ«أننا نقبل اللهجات المناطقيّة في البرامج من الضيوف فقط، بينما نشترط على المذيع أن يحتفظ بلهجة بيضاء، لكنني أعتزّ بلكنتي ولن أغيّرها».
ملحن القصائد الست للعلّامة الراحل محمد حسين فضل الله، يرى في نفسه أقسى ناقد لتجربته. يقول: «أنا صعب مع نفسي، وأدرك كيفيّة الإفادة من أخطائي»، مشيراً إلى أنه يضع تقويماً لأدائه يتجاوز 60 في المئة. ويعتبر أن البرنامج مستمر في الخط الذي رسمه له، رافضاً وصف حلقاته بالفنية «لأنني أقدم برنامجاً إنسانياً، أستضيف السياسي لا لأسأله في السياسة، بل لأخاطب الإنسان الذي فيه، ويستغرب بعض الضيوف كيف يجيبون عن أسئلة شخصيّة، قرروا سابقاً أنهم لن يجيبوا عنها، لكن ظروف الجلسة وطريقة الحوار تجعلهم يتكلمون».