لعرضه الجديد Le Jocon، اختار جو قديح هذه المرة إطاراً ينطلق منه إلى مشاهد متفرقة ثم يعود إليه، ألا وهو زيارة الطبيب النفسي. وضع كرسياً على يسار المسرح في «مونو»، حيث المشاهد المتعلقة بحديثه المباشر مع الطبيب. وفي كل مرة، يغادره ليخبر الطبيب والجمهور عن مرحلة ما من حياته. منذ الولادة، إلى علاقته بأمه، فأبيه، ومرحلة المدرسة، فسفره إلى باريس، والمغامرات التي عاشها هنا وهناك مقدّماً بذلك نموذجاً قابلاً للتعميم على المجتمع اللبناني برمته.
لم تعد تجربة الممثل والكاتب والمخرج اللبناني صغيرة في عالم الـ«ستاند أب كوميدي». في رصيده أربع مسرحيات سابقة «حياة الجغل صعبة»، «أشرفية»، «أنا»، «فيلم سينما»، وجمهور يتابعه وينتظر أعماله. هذا يحتم قراءة متأنية، وربما نقداً صريحاً، لطرح فنّي تخطى مرحلة التجريب. لننطلق أولاً من العنصر الظاهر بشكل مباشر على المسرح، وهو الممثل. التمثيل هو أضعف الأسلحة التي يستعين بها قديح خلال عروضه. هو يلقي نصه كمن حفظه على إيقاع موسيقي، تتلون أواخر جمله بقفلة موسيقية في نهاية كل فكرة. تقطيع الجمل، ولحظات الصمت القصيرة بين الجمل، وإيقاع توزيعه للكلمات لا تمت بصلة إلى أسلوب السرد السلس الذي قد يجريه أي إنسان في حياته اليومية. الإلقاء يعدّ أحد المبادئ الأساسية التي يتعلّم الممثل إتقانها كي يلغي تلك الميكانيكية في إلقاء نص محفوظ، ويجعله حيّاً وأقرب إلى العفوية. هكذا يقع نص قديح في رتابة الإلقاء منذ بداية العرض، لا يكسر ذلك سوى فقدان سيطرته على ضحكة تصدر منه، أثارتها ضحكة الجمهور. أما الجسد، فغائب كلياً. يجلس، ويقف، ويسير على الخشبة من دون إضافة إلى النص. العرض هو ساعة من الكلام المتواصل، مع بعض المقاطع الموسيقية المسجلة التي تفسح لقديح المجال لشرب المياه. ومن سنحت له فرصة مشاهدة كل من شوشو، أو نبيه أبو الحسن، أو بيار شماسيان، أو فادي رعيدي، أو هشام جابر... يعلم التقنيات التمثيلية التي يسخرها كل واحد على طريقته ليغني نصه بها أو حتى لتكون وحدها كافية لتأدية مشهد كوميدي. هكذا، يصبح النص المسعف الوحيد في العرض. وهو ما حدث في عروض قديح السابقة. هي قائمة على نص متواصل، يكاد يكون إذاعياً، إذ يمكن الاستماع إليه على الراديو من دون الحاجة لمشاهدة العرض. من جهة أخرى، هناك مادة دائمة الحضور في نصوص قديح: الجنس. تلف المواضيع وتدور، لكنها في النهاية تصب في الجنس، سواء بشكل مباشر أو مجازي. طبعاً، ليس هناك مانع من تناول الموضوعات الجنسية على خشبة المسرح، لكن في عرض قديح الخامس، لا بد أن نطالبه بالتنويع قليلاً، وبعدم استسهال ورقة الجنس واستعمالها مراراً لضمان إضحاك الجمهور. ثم هل يكفي تركيب القصص واحدة تلوة الأخرى، وربطها بخيط درامي من أول العرض حتى نهايته لننتقل من فضاء مجالس القهوة إلى فضاء المسرح؟
يكفي أن نعود إلى بعض الكوميديين العالميين أمثال جاد المليح، ومارغريت شو، وجمال دوبوز لنراقب أسلوبهم في تركيب مشاهدهم. رغم اعتمادهم على المواضيع الجنسية أحياناً، إلا أنّهم يبرعون في خلق مشاهد طويلة وأساسية لا علاقة لها بالجنس. مشاهد تستند إلى تفاصيل صغيرة لا ننتبه إليها في حياتنا اليومية، محولين إياها إلى مادة كوميدية قائمة على تفاصيل مربوطة بذكاء مع تركيبة الشخصية المؤدية، ويتم إسقاطها على مجتمع كامل. وإذا كان اختيار مواضيع غير مألوفة من ركائز براعة الكوميديين، فإنّ قديح حين يتجنب الحديث عن الجنس، يختار مواضيع ونكات بديهية ويتنقل بينها بسرعة من دون أن يراكم فوق التفاصيل التي تبني اللحظة الكوميدية. ولعلّ تكرار عبارة «سبونسور» كلما ذكر اسم ماركة مسجّلة خلال نصه، يعدّ العنصر الأنجح في بناء أسلوبه الخاص وعلاقته التفاعلية مع الجمهور.



Le Jocon: حتى 24 شباط (فبراير) ـ «مسرح مونو» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/202422