تونس | صباح السبت الماضي، اقتحم سلفيّون مقر إذاعة «الزيتونة» (إذاعة دينية أسسها صخر الماطري صهر الرئيس المخلوع وتحولت ملكيتها إلى الدولة بعد الثورة) في ضاحية قرطاج، وأوقفوا البثّ مطالبين بتنحية مديرها الذي يتهمونه بالفساد! في الوقت نفسه، حاصرت مجموعة من المنتمين إلى «رابطة حماية الثورة» في قابس مقر إذاعة «الواحة أف أم» (خاصة) بسبب استضافتها أحمد نجيب الشابي أحد زعماء المعارضة الكبار.
وكانت «رابطة حماية الثورة» في القيروان قد اعتدت على مراسلين صحافيين ومنعتهم من تغطية اجتماع «الحزب الجمهوري»، وفق ما صرّحوا لوسائل الإعلام. وقد أدانت الأحزاب والمنظمات ونقابات الصحافيين هذه الاعتداءات التي تتعاظم يوماً تلو آخر. وكانت المحكمة قد قضت بعدم سماع الدعوى في قضية الصحافية منى البوعزيزي التي وقفت أمام قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في تونس بعد نشرها ملف فساد مالي في «تعاونية التعليم المدرسي والعالي». كذلك اعتُدي على صحافي في قناة «التونسية» في محافظة منوبة، ويواجه الصحافي صابر المكشر تداعيات قضية نشره لمقال عن عصابة إجرامية.
المحنة الجديدة التي يعيشها الصحافيون التونسيون تأتي في سياق ما يعيشه الإعلام من اعتداء متواصل منذ صعود الترويكا إلى الحكم قبل أكثر من عام. وقد أعلنت نقابات مؤسسة التلفزة الوطنية إقامتها اعتصاماً مفتوحاً بسبب القضايا التي رفعتها «رابطة حماية الثورة» على عدد من التقنيين والصحافيين التونسيين.
الإجراءات الجديدة بحق الصحافيين تزامنت مع تقرير نشرته منظمة «مراسلون بلا حدود» يشير إلى تراجع تونس أربع نقاط في الترتيب العالمي لحرية الصحافة، لتحتل المرتبة 138 بعدما كانت في المرتبة 134 من بين 179 دولة. وقد رأت المنظمة أنّ المناخ الذي يعيشه الصحافيون التونسيون لا يحقق لهم ظروفاً مريحة للعمل؛ فالاعتداء المتواصل الذي يتعرّضون له، لا يضمن أي شرط لممارسة صحافة حرة.
هذه التجاذبات التي يعيشها الإعلام التونسي تتزامن مع حملة شرسة تشنّها صفحات قريبة من حركة «النهضة» وحلفائها على الإعلام. وقد جرت قرصنة صفحات عديدة للإعلاميين المستقلين من طرف مجموعات قريبة من السلطة، إلى جانب تشويه صورة الصحافيين وتأليب الرأي العام عليهم. وقد كانت نتيجة هذه الحملات اعتداءات على صحافيين في أكثر من جهة في البلاد.
الحملة التي يتعرّض لها الإعلاميون عزاها عدد كبير من الناشطين إلى رغبة حركة «النهضة» ــ أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم ــ في تصفية المعارضين في الإعلام رمزياً من خلال زرع مناخ من الخوف والترهيب. بعد السيطرة على القضاء الذي أصبح تابعاً للسلطة التنفيذية التي يشرف عليها وزير العدل نور الدين البحيري الذي حلّ مكان الرئيس المخلوع في توجيه القضاء والتحكم به كما تتهمه «جمعية القضاة» ونقابتهم، وبعد السيطرة على الإدارة ومفاصل الدولة بتعيين الموالين والحلفاء، لم يبق أمام حركة «النهضة» إلا تصفية الإعلام كي تتمكن من وضع يدها بالكامل على المجتمع التونسي. فهل تنجح في تركيع الإعلام؟!