دمشق | حظيت معاناة اللاجئين السوريين باهتمام استثنائي في وسائل الإعلام العربية والعالمية. مئات التقارير المصوّرة، تعرضها الفضائيات الإخبارية على مدار الساعة تحكي أوضاع مئات آلاف السوريين الهاربين من القتل والعنف إلى مخيمات القهر في الأردن وتركيا ولبنان. في مقابل هذا الاهتمام، تعمّد القائمون على الإعلام السوري الرسمي تجاهل هذه القضية، باعتبارها تندرج تحت مسمّى «الحرب الإعلامية المفبركة التي تعتمد المبالغة في أرقام اللاجئين، والمتاجرة بمعاناتهم لزيادة الضغط على النظام السوري». لكن مجمل هذه المواقف تبدّلت في الآونة الأخيرة.
فجأة، تحوّلت أخبار اللاجئين السوريين وصورهم إلى الشغل الشاغل لآلة الإعلام الرسمية والخاصة على حد سواء، كما هي الحال مع «الإخبارية السورية» التي عرضت قبل أيام فيلماً وثائقياً بعنوان «حكاية ألم». تناول الشريط أوضاع السوريين الهاربين إلى الأراضي اللبنانية، وتضمن في تفاصيله الكثير من الرسائل السياسية التي طغت في مشاهد عديدة على مضمونه الإنساني. ندخل مع معدة الشريط الإعلامية رانيا الذنون إلى الأراضي اللبنانية مباشرة في تجاوز متعمّد ومقصود لواقع الحدود السورية اللبنانية التي لم تظهر في مشهد واحد من الفيلم، مع أنها تعيش ازدحاماً يومياً لآلاف اللاجئين السوريين والفلسطينيين المصطفّين في طوابير طويلة في انتظار تأشيرة دخول الى الأراضي اللبنانية. ربما مشهد هذه الحشود، وما تحمله معها من معاناة وخوف، لا يتناسب مع رسالة الفيلم والقناة على حد سواء!
حوار قصير تجريه الذنون مع رئيس بلدية بعلبك هاشم عثمان، الذي يوضح حجم المعاناة التي يعيشها اللاجئون السوريون، ويبيّن تفاصيل الاستغلال والسرقة التي يتعرضون لها من قبل مؤسسات الإغاثة الدولية، وبعض الجهات الحكومية والشعبية اللبنانية. ننتقل بعدها إلى مشهد قصير لطفل حافي القدمين، يرتدي ملابس ممزقة، ينظر بدهشة واستغراب إلى كاميرا المصور، من دون أن نعرف ما إذا كان سورياً أو لبنانياً. يعلن الشريط وصول فريق التصوير إلى أماكن إقامة اللاجئين السوريين. عائلة سورية هربت من جحيم مدينة دير الزور، وجدت ضالّتها في مغارة حجرية، تفتقر الى أبسط شروط الحياة البشرية. ترفض اللاجئة الى المغارة التعاون مع الصحافة، وتغطي وجهها بسرعة كي لا تظهر في الفيلم. لحظات ويحضر زوجها الذي يصرخ «مللنا حضور وسائل الإعلام ومؤسسات الإغاثة الإنسانية التي تصوّرنا وتغيب، من دون أن تنفذ شيئاً من وعودها». تتحايل معدّة الفيلم على رفض الرجل دخول حجره المظلم والبارد، لكنه يقبل أخيراً شرط عدم إظهار وجهه، ربما خجلاً من الواقع الصعب الذي يعيشه مع أسرته. يركز مخرج الفيلم مناف محمد على تفاصيل البؤس والشقاء التي تعيشها هذه الأسرة، ويفرد لها مساحة كبيرة قاربت 8 دقائق من أصل 20 دقيقة هي مدة الفيلم. يصوّر لنا تفاصيل المغارة، وفي خلفية المشهد تستمر الموسيقى التصويرية التي اختارها المخرج لتزيد التأثير الإنساني لدى المشاهد. لم يقدم الفيلم أرقاماً تقريبية بخصوص أعداد اللاجئين السوريين في لبنان، ولم يتطرق إلى واقع مخيمات اللجوء في تركيا أو الأردن، وحكايات البؤس والرعب والذل التي يعيشها السوريون هناك. رسالة الشريط واضحة ومباشرة، أكدتها الحوارات السريعة التي أجرتها الذنون مع اللاجئين في مدارس ومزارع سهل البقاع من رجال ونساء وعجائز. بعد شرح واقع الحياة، يكرّر هؤلاء الفكرة ذاتها لكن بطرق مختلفة: «عندما وصل مئات آلاف اللاجئين اللبنانيين إلى الأراضي السورية أثناء حرب تموز 2006، لم يعاملهم الشعب السوري بالطريقة المهينة والمذلة التي نعامل بها الآن». تكرر معدة الفيلم بدورها السؤال نفسه للجميع في نهاية الحوار «هل تريد العودة إلى بلادك سوريا»، فتأتي الإجابات واحدة ومتشابهة أيضاً «نعم نريد العودة. لقد سئمنا حياة الذل والمهانة هنا. الموت في بلادنا وبيوتنا أرحم من هذا الواقع». رسالة واضحة ومجتمعة أراد فريق عمل الفيلم توجيهها إلى بعض القوى السياسية اللبنانية التي سارعت إلى استغلال معاناة اللاجئين السوريين، واستثمارها ضمن برامجها المناهضة تاريخياً للنظام السوري! لم يسأل لاجئ واحد عن مصير منزله الذي يفترض أن يعود إليه، هل دمِّر نتيجة الحرب الدائرة، أم ينتظر دوره في القصف؟ لم يقدم صنّاع الفيلم وعوداً بمساعدة أبناء جلدتهم كتأمين مكان يليق بإنسانيتهم المهدورة على أرض بلادهم في حال التفكير بالرجوع إليه! خلال عودة أسرة الفيلم، من المؤكد أنّها التقت بمئات النازحين السوريين الذي افترشوا الحدائق العامة القريبة من مبنى القناة في دمشق، لكن لا وقت لديها لمحاورتهم أو الاهتمام بهم، كونهم لا يزالون يقيمون على أرض الوطن!