الجزائر | لا يُجري المغنّي الفرنسي من أصل جزائري انريكو ماسياس (1938) لقاء صحافياً من دون أن يتحدّث عن الأسى والحنين الذي يشعر به إزاء الجزائر التي غادرها غداة استقلالها عام 1962 خوفاً من ردود فعل أبناء بلده بسبب وقوفه مع الاستعمار الفرنسي. في إطلالته الأخيرة على قناة «فرانس5» قبل أيام، جدّد رغبته في تحقيق حلم العودة إليها. بدا حزيناً بسبب عدم تمكّنه من زيارة بلده، واصفاً ذلك بـ«الظلم»، ومتهّماً جهات «لا يعرف من تكون»، بالوشاية للسلطات الجزائرية بغية منعه من دخول بلده وزيارة مسقط رأسه في الحي اليهودي في قسنطينة.
لكنه بدا واثقاً بأنّ هذا الموقف «يقتصر على المتطرّفين ولا يعبّر عن رأي الشعب كلّه، لأن كثيراً من الجزائريين الذين ألتقي بهم يعانقونني، ويؤكّدون مساندتهم لي».
ماسياس الذي أثار جدلاً عام 2007، بعد إعلانه رغبته في زيارة الجزائر برفقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، (الأخبار 3/12/ 2007) تأسّف لكون الرئيس الحالي فرنسوا هولاند لم يدْعُه إلى مرافقته خلال زيارته بلد المليون شهيد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، معتبراً أن ذلك أجّل حلمه مجدّداً. حينها، رفضت أوساط جزائرية هذه الزيارة، وصرّح رئيس الحكومة الجزائرية السابق عبد العزيز بلخادم بأنّ انريكو «شخص غير مرغوب به في الجزائر»، وتجنّدت وسائل الإعلام والجمعيات المدنية ضد زيارته التي اعتبرتها شكلاً من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وذلك على خلفية مواقفه المؤيّدة للصهيونية ولجرائم إسرائيل في فلسطين المحتلة ولبنان. لا يخفي ماسياس تأييده المطلق لإسرائيل التي قاد مرات عدة حملات تبرّع لها، فسلّمته شهادة «ماغاف القدس» التي تُمنح للأشخاص الذين قدّموا لها خدمات جليلة. خلال تسلمه التكريم، صرّح: «ما قُمت به لم يكن من أجل الشهرة، بل لإيماني بإسرائيل». وأخيراً، انتقد اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين، كما سبق أن وصف مشهد قتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة بالعمل المسرحي!
مع ذلك، يبقى الرأي العام في الجزائر منقسماً حول صاحب «غادرت وطني» الذي يلقبه البعض بـ«مطرب المليون منفي» في إشارة إلى الأقدام السوداء (الأوروبيون الذين وُلدوا في الجزائر)، بين مرحّب به ورافض له، وإن كان القسم الثاني أكثر حضوراً وأعلى صوتاً. لكن يبدو ألا وجود لقرار رسمي يمنعه من دخول البلاد. وزير الإعلام السابق ناصر مهل أنهى ذلك الجدل، نافياً أن يكون ماسياس ممنوعاً من زيارة الجزائر، متّهماً إياه بالكذب، ومؤكّدا أنه ألغى الزيارة بنفسه.
صاحب «الشرقي» قدّم نفسه في اللقاء التلفزيوني رمزاً للمصالحة والسلام والمحبة بين الشعوب، وتمسّك بما يعتبره حقاً مشروعاً في العودة إلى بلده الذي لم يزره منذ خمسين عاماً، قائلاً إنه لن يتوقّف عن حلمه إلى آخر رمق في حياته. بدا كأنه لم يسمع شيئاً عن معاناة الفلسطينيين وحق العودة إلى الأراضي التي استولت عليها إسرائيل، إذ قال في حوار لصحيفة «لو باريزيان» قبل أسابيع، إنّه ليس من حق أحد أن ينتقد ولاءه للكيان العبري، فـ «الإسرائيليون هم الشعب الذي أنتمي إليه»!
لا يتوقّف الجدل الذي يثيره ماسياس عند قضية زيارة الجزائر، بل يمتد إلى الأغنيات الثنائية التي تجمعه مع الفنانين العرب والجزائريين. في الحوار ذاته، اتّهم الأنظمة العربية بالضغط على الفنانين العرب لمنعهم من الغناء معه، واستشهد بتعرّض الفنانة اللبنانية صباح لمقاطعة عربية، بعدما غنّت معه في برنامج المنوعات الفرنسي Le Grand Echiquier، كما قال إنّ وردة الجزائرية أبدت رغبتها في الغناء معه، لكنها تراجعت عن ذلك بعد تعرّضها لضغوط وتهديدات عدة.
لم تتأخّر عائلة الفنانة الراحلة في الردّ على التصريحات التي اعتبرتها محاولة للنيل منها، إذ وجّهت له رسالة نشرتها صحيفة «الخبر» الجزائرية خاطبته فيها بغضب: «وردة لم تنوِ يوماً الغناء معك، ولم تخمّن حتى في اللاشعور أن تؤدي حرفاً موسيقياً واحداً معك، لأنك بكل بساطة صهيوني مائع»، مضيفة: «أنتم أنفاس صهيون تكذبون على الأحياء، فلا غرابة أن تكذبوا على من سكنوا السماء».
ومن المعروف أن عدداً من الفنانين الجزائريين أدّوا أغنيات مشتركة مع ماسياس، أولهم حسين لصنامي، ثم حمدي بناني، ولاحقاً الشاب مامي الذي أعاد تقديم أغنية «قم ترى» الفولكلورية الجزائرية معه، ثم انضم إلى القافلة فنانان آخران، هما مطرب الأغنية القبائلية إيدير الذي شاركه أغنية باللغة الأمازيغية، والشاب خالد الذي شاركه قبل أيام قليلة أغنية «الشرقي»، ما أثار موجة من الاستياء، وصلت إلى حد الدعوة إلى مقاطعة خالد.



«بيموت» في شارون!

في سن الـ 15، التحق انريكو ماسياس (اسمه الحقيقي غاستون غريناسيا) بفرقة «المالوف» بقيادة الشيخ رايموند التي كان والده عازف كمان فيها ثم غادر الجزائر عند الاستقلال. على مدى عقود، كان يكرر كلاماً فضفاضاً عن التآخي بين الشعوب إلى أن انقلب مدافعاً عن شارون خلال الانتفاضة الثانية. واحتجاجاً على محاكمة عدد من اليهود الإيرانيين بتهمة التخابر مع الموساد، ظهر في تظاهرة احتجاج عام ١٩٩٨ في باريس رافعاً يافطة «كلنا عملاء للموساد». مع ذلك، هناك من لا يزال يصدق كلامه عن التآخي وغنائه بالعربية والأمازيغية وحنينه المزعوم إلى قسنطينة، ولديه أصدقاء من المثقفين العرب مثل الطاهر بن جلون وياسمينة خضرا...