جرياً على عادته، يواصل التاريخ رفد الحاضر بعصارة عِبره وحصاد أيامه الغابرة. يفصح عن جرح الأرض وبلسمها في آن، وعن حكايا دمغت التراب بالدموع وبالدماء. من هنا، كانت فكرة مسلسل يحمل عنوان «قيامة البنادق» الذي ينتجه «مركز بيروت الدولي للإنتاج» الذي أنجز سابقاً مسلسل «الغالبون» بجزءيه. العمل الجديد الذي يتألّف من ثلاثين حلقة، درامي تاريخي يحكي مرحلة من مراحل الصراع (من العام 1912حتى 1926) بين المقاومة اللبنانية من جهة، والاحتلال التركي ثم الانتدابين الفرنسي والبريطاني من جهة أخرى. منذ يوم الأحد الماضي، بدأ فريق العمل تصوير أوّل مشاهد المسلسل في منطقة الخردلي (الواقعة بين منطقتي النبطية ومرجعيون في جنوب لبنان) بعد الانتهاء من التجهيز اللوجستي للمكان وأماكن أخرى ستشهد تصوير المشروع.
مدير «مركز بيروت الدولي للإنتاج» بلال زعرور يشرح لـ«الأخبار» عن هذا المسلسل «التاريخي المعاصر الذي يعتمد في أحداثه وشخصيّاته على وقائع حقيقية، متضمّناً بعض الخطوط الافتراضية لضرورات البناء الدرامي والتشويق لكن بما لا يؤثر في السياق والحقائق التاريخية». أما عن الأحداث، فتدور في قرية «المالكية» المحتلة في جبل عامل، ثم انطلاقاً منها الى بلاد الشام، بحيث يُتخذ من الجنوب اللبناني وشخصياته الثورية والعلمية والعسكرية نقطة ارتكاز تتمحور حولها بقية الأحداث للارتباط الجوهري في ما بينهما.
يقول زعرور إنّ أبرز خطوط المسلسل تتمحور حول نقاط عدة: إعلان دولة لبنان الكبير، أوضاع جبل عامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بروز المخطط الصهيوني حيال فلسطين، وبداية تكوّن نواة المستوطنات ودور الاستعمارين الفرنسي والانكليزي على هذا الصعيد، الثورات التي تمظهرت في أشكال عدة حتى سنة 1926، والاستعمار الذي كان من نتائجه ضم جبل عامل الى دولة لبنان الكبير.
بالنسبة إلى الحكاية، فهي تنطلق من قيام حامد (مازن معضم) أحد شبان المالكية بقتل جندي تركي أثناء تصادم بينهما في أحد أطراف القرية. بعدها، يفرّ حامد من القرية بينما تلقي القوات التركية القبض على حبيبته وخطيبته سعاد (السا زغيب) التي تعمل مع رفيقتها عليا (بولين حداد) ابنة أبي حيدر ـــ أحد أعيان المالكية ـــ على تهريب الأسلحة إلى الثوار من شبان القرية. يظن أهل القرية أنّ سعاد هربت مع حامد. وبينما تكون سعاد قيد الاحتجاز وتخضع للتحقيق في سرايا مرجعيون، نتعرف من خلال الأحداث الموازية إلى عوائل القرية الرئيسية كعوائل أبي سالم (نعمة بدوي)، وأبي مالك (جان قسيس)، وأبي نعيم، ووائل بك (أحمد الزين)، وعاطف وقبل كل هؤلاء عائلة أبي حيدر الذي سيشكل أبناؤه الأربعة حيدر وعباس وزهير وحمزة خطوط الربط مع ثوّار جبل عامل كمحمود بزي، وأدهم خنجر، وصادق حمزة وثوار المناطق الأخرى كملحم قاسم في البقاع، وأحمد مريود في الجولان، وسلطان باشا الأطرش في جبل العرب، والسيد عبد الحسين شرف الدين المرجع الديني والسياسي للثوار في جبل عامل. كل ذلك إثر تشتت العائلة بعد فتنة يقوم بها سمعان اليهودي أحد منسقي عملية الهجرة اليهودية إلى مستعمرة «الخالصة» المحاذية للمالكية.
العمل يشارك فيه أكثر من مئة ممثل أساسي، توزعوا على الجنسيات اللبنانية والفلسطينية والسورية أمثال محمد عيد رمضان، نسرين الحكيم، أيهم الآغا، سامر الكردي، جيرارد، ختام اللحام، السا زغيب، بولين حداد، أحمد الزين، عمار شلق، بيار داغر، مجدي مشموشي، مازن معضم وغيرهم الكثير.
يتولى العمل المخرج السوري الشاب عمار رضوان الذي قال لـ«الأخبار» إنّ هذا العمل سيكون ذا صدى عالمي يفخر العرب به. لا يخفي رضوان وجود بعض المصاعب، لا سيما أنّ العمل تاريخي و«الدقة هي عماد عمل مماثل»، لكنّه يبدي تفاؤلاً كبيراً إزاء تخطي هذه الصعاب. ويتوقع أن ينهي التصوير في شهر حزيران (يونيو) المقبل. عمليات الانتاج التي يديرها أحمد زين الدين الذي سبق أن تولى إدارة هذه العمليات في مسلسل «الغالبون» يقول لـ«الأخبار» إنّ «المقاومة ثقافة وقيم أخلاقية ووطنية». وعليه، كان مشاركته في هذا العمل ليجسد قصة مواجهة مشرفة مع اسرئيل كي لا يمحوها التاريخ. زين الدين الذي توجه بالشكر إلى قيادة الجيش اللبناني التي ساعدتهم في تأمين العتاد العسكري القديم من بنادق وآليات قديمة العهد، يضيف أنّ بعض متطلبات المسلسل من أكسسوارات وغيرها جَمَعها من مختلف مناطق لبنان من البترون الى جبيل والجبل والجنوب وغيرها. وسيصوّر المسلسل في أكثر من مكان من لبنان. أما مدير تصوير العمل فهو إيلي برباري، فيما فريق المكياج ايراني متخصص، والمشرف الفني هو نصري طوق الذي كان أيضاً مشرفاً فنياً على مسلسل «باب ادريس».
المسلسل سيعرض في شهر رمضان المقبل من دون تحديد القناة بحسب بلال زعرور، إذ يرجح عرضه أيضاً على بعض الفضائيات العربية. ويُتوقع أن يحدث صدى كبيراً، لا سيما أنّه يجسد وقائع طمسها التاريخ، ليقدمها إلى المشاهد خالية من أي تدخّل. ما يخفيه التاريخ من الصراع مع اسرئيل أكثر بكثير مما يذكره، فالتاريخ ليس الا وجهة نظر!