اقتُلعت الحناجر التي هتفت باسم الحرية، ولا تزال صرخات المعتقلين تدوّي في أقبية النظام المظلمة، وتأخّر الفجر الموعود... فإذا بـ«الثورة السلمية» تتحول الى شلال دماء تغذّيه رايات سود ترفرف في أرجاء سوريا، من دون أن تتوقف القصة عند حدود قوائم العار وتهديد النجوم والإعلاميين، فكل من يختلف برأيه، ستكون فنون التصفية له بالمرصاد.
وفي زحمة من الأحداث، ينهض أبو لقمان القائد في «جبهة النصرة» ليصرخ على شبكة BBC بأنّ «سوريا كلّها دولة إسلامية تحكمها الشريعة، والصراع ليس من أجل الديموقراطية بل من أجل إقامة نظام ديني»، فيستشرس أحد كتّاب الدراما السورية في الدفاع عن الجبهة التي تبنّت تصفية المذيع السوري محمد السعيد وبثت مقاطع لتصفية طائفية مقيتة اقترفتها يدها. وقد سبق لعدد من الإعلاميين والفنانين أن تعرّضوا للتهديد، بل إنّ بعضهم قد تمت تصفيته فعلاً، ولو كان من جهات مختلفة توحّدها سياسة القتل.
هذا المرض الخطير استفحل وعاد ليتسيّد المشهد في الأيام الأخيرة، من دون أن يوفر الفنانين والإعلاميين الذين غادروا بلادهم بعيداً عن حرب لا تشبههم. أوّل من هبت عليه رياح التهديد مجدداً هو الفنان السوري أيمن زيدان، رغم سفره النهائي إلى مصر. سارع نجم «نهاية رجل شجاع» إلى وضع الأمر برمّته في ذمة الرأي العام. إذ نشر منذ أيام نداء على صفحته على فايسبوك قال فيه: «الى كل أهلنا السوريين، أضع بين أيديكم نموذجاً للرسائل التي تصلني، ويحزنني أننا وصلنا الى هذا المنطق. لا أستطيع أن أصف لكم مدى فجيعتي للمنطق الطارئ على حياتنا». بعد هذه المقدمة، نشرَ الرسالة الموقّعة باسم «تنسيقية الحسكة» التي جاء فيها: «الشغلة طلعت من إيد «الجيش السوري الحرّ» صارت بإيد «جبهة النصرة». أقسم بالله لنعلّقك بساحة كفرسوسة يا نذل». وأُرفقت الرسالة بصورة لزيدان ممهورة بشعار الجبهة، وكُتب عليها بالخط الأسود «مطلوب للنصرة». أيضاً، كان مفاجئاً ما نشرته ديانا جبور على صفحتها على فايسبوك لأنه يحتوي تهديداً صريحاً بالتصفية وصلها مع صورة لها ملطخة بالدماء وموقّعة باسم تنسيقية «أحرار المزة». ورغم أنّه سبق لمديرة «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» نشر اسمها من بين المطلوبين في «تنسيقية التلفزيون السوري»، إلا أنّ الإعلامية السورية كتبت مقالات تميل إلى المعارضة عندما كانت رئيسة تحرير جريدة «بلدنا». كذلك تردد أنّ سبب إقالتها من منصبها كمديرة مؤسسة حكومية هو موقفها المعارض قبل أن تتم إعادتها إلى هذا المنصب مجدداً. حالما نُشر هذا التهديد، سارع بعض الناشطين والإعلاميين السوريين المعارضين إلى التواصل مع التنسيقيات لسحب هذا التهديد والعودة عن القرار، وبالفعل حُجبت الصورة. لكنّ جبور المنهمكة في اجتماعات عمل متواصلة، لا تعطي بالاً لكل ذلك. تؤكد في حديث مع «الأخبار» حقيقة القصة ووصول التهديدات إلى الذروة هذه المرة. تجهل جبور السبب الحقيقي وراء هذه التهديدات، وتتحدّث عن الحل للوقوف في وجه هذه الهجمة الظلامية، قائلةً: «لا حل مع العنف الذي يفقد الجميع صوابهم، لا بد من الحوار. وما عدا ذلك، فكل الأبواب موصدة وكل الحلول فاشلة». بدورها، لم تسلم الإعلامية السورية لانا الجندي من تهديدات عنيفة، رغم إقامتها في دبي منذ سنين طويلة، ورفضها للعنف من طرفي النزاع، إلا أنّ إحدى الشخصيات الوهمية على فايسبوك أرسلت لها شتائم نابية وتهديدات لها ولعائلتها، فما كان من الجندي إلا أن نشرت أخيراً الرسالة كما وصلتها على صفحتها. وقالت الإعلامية في اتصال لها مع «الأخبار»: «فوجئت بالمستوى الذي بلغته الأمور، إلى درجة أنّه لم يكن لديّ مشكلة بنشر أفظع الشتائم بحقّي من أجل إيضاح المسألة على الأقل للأصدقاء المشتركين مع هذا الشخص الوهمي، على اعتبار أن كل من يدّعي المعارضة يتواصل مع أي شخص يضع علم الثورة».
هكذا، لم تفلت إعلاميّة «سكاي نيوز عربية» من موضة العصر الرائجة، رغم تخصّصها في الأخبار الفنية ودفاعها عن معظم الفنانين السوريين موالاةً ومعارضة. أما السبب، فهو: «ربما لاحترامي الرأي الآخر وتحولي في مكان ما إلى صوت الفنان السوري الذي لم أعد ألومه على صمته وانزوائه بعيداً عن هذه المعمعة». تشرح الجندي لتصل إلى لبّ المشكلة: «في أيام الرخاء، لم يكن الفنانون في سوريا يجيدون التصفيق لبعضهم، وقد سمعت الملاحظة من نجوم كبار في حفلات «أدونيا». اليوم وإن كان هناك نسبة من الشعب تحتاج إلى إعادة تأهيل أخلاقي، فإن الوسط الفني يحتاج إلى المحبة التي غابت عن حياته منذ زمن طويل». تحت أي سماء وفوق أي أرض تلاحق الفنان أو الإعلامي السوري لعنة التهديدات كأنه سيبقى الحلقة الأضعف في هذ الأزمة الخانقة؟



محكومون بالموت والنفي

رغم التضامن الكبير لعشرات الأصدقاء الافتراضيين مع النجم أيمن زيدان، إلا أنّ الأخير كتب في ما بعد تعليقات على صفحته على فايسبوك تكشف عن خيبة أمل كبيرة. ومن ضمن ما كتب: «إننا محكومون بالأمل. أذكر أنّ الراحل الكبير سعد الله ونوس بعدما قال هذا عانق ألمه ورحل مبكراً. لم يوقف أمل الدنيا كلها رحيله المباغت والموجع (...) عن أي أمل نتحدث؟ وقد صار الخراب عنواناً؟ عن أي أمل نتحدث؟ وما زال الدم يرفد بردى الخجول، والعاصي يرثي أطلال الأمس، وفراتنا يعبر محملاً بالقهر والفجيعة. عندما يضيق الوطن فلا فسحة للحياة حتى يكون هناك فسحة لأمل. إننا محكومون بالموت والنفي والرحيل».