ما زلنا نأمل، لحظة كتابة هذه السطور، أن يكون قرار اغلاق «الآداب» موقتاً. نقصد القرار الذي اتخذه سماح إدريس بوقف صدور هذه المجلّة العريقة في نسختها الورقيّة، لتبدأ في العالم الافتراضي فصلاً جديداً من مسارها الغني والطويل. يأتي هذا القرار في قلب أزمة حادة، تتضافر عندها عناصر عدّة، منها ما هو مادي، ومنها ما هو حضاري. الناس لم تعد تقرأ، يقول سماح. ربّ مضيف على ذلك التشخيص أن الزمن لم يعد زمن المجلات الفكريّة والثقافيّة الدسمة التي تتسع للمعالجات النظريّة والنقديّة المعمّقة، ولنصوص بحثية أو إبداعية تتطلّب نفَساً طويلاً في القراءة. وعندما شهدت بيروت في السنوات الأخيرة فورة مجلاّت فكريّة - ثقافيّة - ابداعيّة على الطريقة «القديمة»، عبّر كثيرون عن دهشتهم: من أي كُتّاب إلى أي جمهور؟ وبأي تمويل؟ كل واحدة من تلك المجلات، حلّت الأحجية على طريقتها، واستخدمت زخماً وامكانات ومقدّرات وبؤراً خاصة بها وبمؤسسيها: «الآخر» ارتاحت على أكتاف أسطورة حيّة اسمها أدونيس، «الطريق» استندت إلى تاريخ عريق أنعشته أوهام الفتى الأحمر محمد دكروب. وجاءت «بدايات» لتحمل تطلّعات فواز طرابلسي الما بعد ثوريّة، فيما قامت «كلمن» على مشروع فكري ليبرالي (حازم صاغيّة/ منال خضر)، حاول الاستفادة من زخم ما نسمّيه اختزالاً جيل «الفنّ المعاصر»، مستظلاً بقامة أحمد بيضون كضمانة معنويّة. المشروع الأخير أقفل أيضاً، أو هو قيد الإقفال. ربّما للأسباب نفسها التي تقود إلى اسدال ستارة الفصل الأخير على مؤسسة عريقة رافقت أجيالاً من الكتّاب والقرّاء، وتحمل بصمات الكاتب والناشر ورجل المعاجم الراحل سهيل إدريس. مجلّة «الآداب» تختزن جزءاً مهمّاً من ذاكرة القرن العشرين، استلمها إدريس الابن، عند مفترق القرن الجديد، ليطرح أسئلته الجريئة، وليقدّم منبراً نقديّاً في زمن الردّة والاستسلام والتنازلات الأخلاقيّة… هل وصلت التجربة إلى طريق مسدود في هذا العالم المتغيّر؟ بنزول العدد الأخير من «الآداب» إلى الأسواق اليوم، تكون قد طُويت صفحة مهمّة في تاريخنا الثقافي والأدبي. وداعاً أيّها الزمن الجميل.