مثّل اختيار المفكر المصري جلال أمين لرئاسة لجنة تحكيم جائزة «بوكر» العربية مفاجأة مثيرة على الأقل في مصر. على الرغم من الشهرة الكبيرة التي يحظى بها، لكونه أستاذاً متميزاً للاقتصاد في «الجامعة الأميركية» في القاهرة، ومثقفاً قومياً فاعلاً في المشهد الثقافي منذ بداية الثمانينيات، إلا أنّ ذوقه الأدبي ظلّ مثار خلاف. المتابعون لحركة الأدب المصري في السنوات العشرين الأخيرة ما زالوا يتذكرون دوره في معركة تدريس كتاب «الخبز الحافي» (كتبت بالعربية سنة 1972 ولم تنشر إلا عام 1982) للمغربي محمد شكري في الجامعة الأميركية.
عندما تعرّضت الأستاذة سامية محرز التي قامت بتدريس الرواية لمحنة مع أولياء أمور طلابها الذين حرّضوا عليها في الصحف وطالبوا بمنع تدريس الرواية، اصطف أمين في صف الرافضين لتدريس هذا النص بسبب ما انطوى عليه من «تجاوزات» بحسب وجهة نظره، وقارن تعاطي شكري مع الجنس وتعاطي الطيب صالح مع الموضوع نفسه.
يبدو أمين وهو ابن المفكر التنويري أحمد أمين، متهماً من قبل عدد من الكتّاب الشباب في مصر بالانحياز إلى أعمال ذات سمة شعبوية استناداً إلى الدور الذي أدّاه في تقديم كتّاب حققوا رواجاً كبيراً مثل علاء الأسواني وروايته «عمارة يعقوبيان»، وخالد الخميسي وكتابه «تاكسي»، وهي أعمال على شهرتها لا تحظى بإجماع في الدوائر الأدبية. كذلك لا يخفي أمين انحيازه إلى الأعمال ذات الفضاء السياسي؛ فنموذجه الأدبي الأعلى لا يزال الكاتب جورج أورويل الذي يعود في غالبية مقالاته إلى اقتباس مقولاته.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ مؤلف «ماذا حدث للمصريين» يدفع ثمن صداقته المعروفة بالصحافي المعروف ابراهيم عيسى الذي اختيرت روايته «مولانا» ضمن لائحة الكتّاب الستة. عيسى الذي هو صحافي لامع عرف بكتاباته المعارضة لنظام حسني مبارك، بدأ بنشر أعماله الأدبية مع جيل الثمانينيات في مصر. لكنّها لم تحظ بمتابعات نقدية تضعها ضمن خريطة الأدب المصري المعاصر، رغم أنّه وجد في بداياته دعماً من أقلام بارزة مثل رجاء النقاش، وإدوار الخراط. إلا أنّ رهانه الشخصي تجاوز هذه الدوائر، وفضّل مخاطبة الجمهور بالمعنى الواسع واستكمال رصيد الكتاب الذين يكتبون للأدب من موقع الصحافي. وهو رصيد هائل في مصر، لكنّ دخول عيسى إلى دائرة المنافسة على الـ«بوكر» يعني له الكثير، فهو أكثر من بطاقة اعتراف من نادٍ أدبي ظل دائماً يتعاطى مع أعماله بتحفظ ويفضل تصنيفها ضمن دائرة الأدب السياسي الخفيف.