بدأت القصة عندما قامت مؤسسة مرموقة مثل «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»، المعروفة بدفاعها عن حرية الرأي والتعبير في العالم العربي، بإصدار بيان قبل أيام أعربت فيه عن «استيائها الشديد من مسلك أجهزة الأمن اللبنانية إزاء ما قامت به من استدعاء المدوّن عماد بزي للتحقيق معه ومصادرة جواز سفره» في الثاني من كانون الثاني (يناير) الحالي، معتمدةً حصراً على رواية الشاب اللبناني.
وعلى الرغم من أنّ «الخبير الإعلامي» الذي عمل لحساب عدد كبير من المؤسسات غير الحكومية (NGOs) رفض التحدث إلى الإعلام عن هذا الإشكال، خصّ موقع «مختار» الإخباري، أول من أمس، بشرح لتفاصيل ما حدث معه في مبنى المديرية العامة للأمن العام، وهو الأمر الذي أدرجه الموقع في إطار «ملاحقة الأجهزة الأمنية للناشطين وترهيب الكتّاب المدنيين وإخافتهم بإجراءات «إدارية» حيناً و«ملفات» أحياناً، أو بأيّ وسيلة من شأنها التضييق على الحريّات الأدبية والفنية والمدنية».
بعدها، أعاد بزي نشر ما قاله للموقع على مدونته الخاصة التي تحمل اسم «تريلا» على شكل «رسالة مفتوحة» توجه بها إلى كل من وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، «لافتاً» نظرهما إلى أنّ خطوته تأتي بعد امتناعه عن الإدلاء «بأي تصريح لأي من الوسائل الإعلامية تجنّباً للدخول في مواجهة مع الأمنيين المذكورين خارج الأطر القانونية المرعية الإجراء». استراتيجية بزي حيال ما حدث معه لم تتضمّن «حراكاً» افتراضياً كبيراً كما جرت العادة. الناشط الذي عرفناه بتعليقاته الساخرة والناقدة للوضع اللبناني على الفايسبوك وعلى مدوّنته، اكتفى بنشر رابط رسالته وصورة عن الإفادة التي حصل عليها من الأمن العام وتفيد بأنه دفع الرسوم الواجبة عليه لتجديد جواز سفره لمدة عام. وسط رفض بزي تزويدنا بالمعلومات عن القضية، توجهنا إلى الأمن العام لاستيضاح ما حصل. «جواز السفر لم يحجز. وتلك كلمة ليست موجودة أصلاً ضمن مصطلحات المديرية»، أكد مصدر رفيع المستوى في الأمن العام لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أن ما حصل مع بزي هو مجرّد إجراء إداري روتيني «لا خلفيات سياسية له». وتابع المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه أنّه «لو كانت هناك أي علامة استفهام حول هذا الشخص، لقلنا ذلك على رأس السطح»، كاشفاً أنّ جواز السفر «بات جاهزاً ويمكن بزي ـــ الذي تبلّغ الأمر أمس ـــ أن يأخذه متى شاء». وتمنّى المصدر ألا يلجأ أي ناشط في مجال حقوق الإنسان أو الحريات العامة إلى تصوير نفسه كضحية: «إنشالله كل واحد عندو مدوّنة بدنا نلاحقو؟».
سواء كان عماد بزي مستهدفاً أو لم يكن، فالأكيد هو أنّ مسألة جواز السفر انتهت، ولم يبق أمام الناشط اللبناني سوى التوجه إلى مبنى المديرية لتسلّمه والعودة أدراجه إلى تونس حيث يعمل حالياً. لكن أمام هذا الواقع، تُطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة العلاقة بين الناشطين المدنيين والسلطة، وأخرى حول عمل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وطريقة استقاء معلوماتها التي يُفترض أن تشكّل مرجعاً لا لبسَ فيه.