أطل تلفزيون «المستقبل» على جمهوره بحلّة مختلفة ولوغو جديد منذ آب (أغسطس) الماضي. خمسة أشهر مرّت على الانطلاقة، حاولت خلالها القناة الزرقاء استعادة وهج فقدته، ونجاح عاشته على امتداد سنوات. الأكيد أنّ ولادتها الجديدة أثمرت تحسناً في الصورة سمح بإيجاد مكان لها على خريطة الفضائيات العربيّة التي طوّرت بثها واعتمد بعضها نظام HD.
أما على مستوى المضمون، فلم تشهد تغييراً جذرياً كانت قد وعدت به، حتى إنّ شبكة برامجها الأولى لم تحمل تغييراً إيجابيّاً يستحق التوقف عنده. بدلاً من أن تقدم خريطتها تنوعاً إضافيّاً، إذا بعدد برامجها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. غابت البرامج الانتقاديّة الساخرة وبرامج المقالب التي حرصت المحطة على الحفاظ عليها دوماً. واكتفت بمسلسل لبناني واحد، جعلته بديلاً من برامج سهرتي الخميس والجمعة، بدل أن يكون بداية السهرة فقط. قد يكون تخفيف منسوب السياسة أفضل ما فعلته المحطة، لكنها أوجدت مكانه ربع ساعة يحمل مواقف تحريضية كافية وخطاباً هو أقرب إلى مقال سياسي منحاز، يكتبه نديم قطيش عبر برنامجه dna على طريقته الاستعراضية التي دعا بها إلى احتلال القصر الحكومي.
لعل زافين قيومجيان هو الوحيد الذي استطاع مواكبة الانطلاقة بحلة مختلفة عبر برنامجه «عالأكيد» (النسخة العربيّة من البرنامج الفرنسي Sans aucun Doute) للمخرج باسم كريستو وإنتاج Periba. هنا، وضع زافين النقاط على مشاكل وقضايا تصدى لحلّها مع فريق عمله ونصر المظلوم، فأثار حفيظة المتضررين وفتح عليه سيلاً من القضايا التي رفعت عليه منذ انطلاقة الحلقات. وقبل أيّام، ختمت ريما كركي برنامجها «بدون زعل». حاولت إضفاء لمسة تغييرية على حلقاتها، فزادت مدتها وأشركت معها صحافياً يقوّم ويعطي رأيه في تعليقات الضيوف الأربعة. بنت كركي ثقة بما تقدمه، ونجحت في إدارة نقاشاتها وسرعتها المحببة في الكلام، وحافظت على رشاقة الإيقاع بتقارير وريبورتاجات وضيوف.
أما الإبقاء على برنامج Inter-views مع بولا يعقوبيان، فقد يكون قراراً حكيماً، كونها من أفضل المحاورين السياسيين الباقين في «المستقبل»، في ظل الانحياز الطاغي والمتطرف للبعض لمصلحة 14 آذار، وهو انحياز مشابه لتطرف إعلاميين آخرين في قنوات تابعة لقوى «8 آذار». لكن ما ليس مفهوماً هو الاستغناء عن برامج ذات كلفة مالية متواضعة، تمنح للمحطة ثقلاً سياسياً وإعلاميّاً محليّاً ودوليّاً، كما كانت حال «ترانزيت» مع نجاة شرف الدين. مع نهاية 2012، وضعت «المستقبل» برنامجاً متواضع الكلفة كـ«ناس وناس» الذي يقدّمه ميلاد حدشيتي في وقت الذروة (ليلة السبت بعد الأخبار)، ثم تنبهت لاحقاً إلى هذا الخطأ، فأخّرت موعده (العاشرة والنصف ليلاً)، ثم تأتي رزان المستمرة ببرنامجها «طنة وغني»، وقد استطاعت تحقيق نسبة مشاهدة جيدة مع انطلاقتها. وهناك أيضاً الدراما اللبنانيّة مع الأخبار المسائية ليلتي الخميس والجمعة، لكن يلاحظ أن المحطة تعاني نقصاً فادحاً في البرامج، فليس كافياً برنامجاً واحداً في الليلة، والباقي مسلسلات تركيّة معادة، وتضييق هامش التنويع في البرمجة، إضافة إلى غياب السخاء عن البرامج. ولعل هذا يعود إلى المشاكل المالية التي تتخبّط بها الشاشة الزرقاء. بعد صرف مجموعة كبيرة من الموظفين إثر توحيد القناتين الحمراء والزرقاء، تحسّن وضع المحطة المالي. صحيح أنّ الرواتب تدفع في وقتها، لكن القناة وضعت حداً لعدد المتعاملين معها (Freelancer) من شركات وأفراد كانوا يرفدونها ببرامج اجتماعية وثقافية وفنية مختلفة. والمشكلة الفعليّة اليوم تكمن في الشح البرامجي الذي يفترض أن تواجهه بمزيد من التنويع. في شبكة البرامج الجديدة، أعادت «المستقبل» المذيع ميشال قزي في برنامج «قصة ثقة» وهو النسخة اللبنانيّة من Trust الذي يقدم أيضاً على قناة «روتانا مصرية» مع محمد هنيدي، وعلى «روتانا خليجية» مع محمد خلاوي. وإذا كان من المبكر الحكم على البرنامج الذي تذاع الليلة حلقته الثانية (21:00)، فإنّ الأكيد أنّ «المستقبل» تضع قزي في غير ملعبه. لعل القناة في أمسّ الحاجة اليوم إلى تجديد شبابها، لتتمكن من مخاطبة جمهور ينتظر منها شيئاً مختلفاً. ربّما تفتقد «المستقبل» اليوم بعد نظر وحسن إدارة بمغادرة علي جابر قبل عشر سنوات. استطاع الرجل أن يضع المحطة في المراتب الأولى محليّاً وعربيّاً، ما جعل أسهمه الشخصيّة ترتفع، حتى كلّف بإدارة قنوات «دبي» الفضائية، وتستفيد من خبرته مجموعة mbc اليوم. لا شك في أنّ «المستقبل» ينقصها التمويل والإنتاج، وكذلك التخطيط وهو الأهم لأنه يجعلها قادرة على المنافسة مجدداً بعدما خبا نجمها وانحسرت الأضواء عنها.



قطيعة مع الدراما؟

يحتاج تلفزيون «المستقبل» إلى خطة تعيد ثقة جمهوره بالدراما اللبنانية خصوصاً والعربيّة عموماً. وفيما يقتصر مشاهدوه حتى اليوم على أنصار تيار «المستقبل» بشكل أساسي، لا يحظى مسلسل «مراهقون» (الخميس والجمعة 20:30) للمخرج سيف الدين سبيعي بالنجاح المتوقع له، رغم جمعه حشداً من الممثلين اللبنانيين، بينهم يوسف حداد، ومجدي مشموشي ومشاركة المذيعة ريتا حرب فيه. ورغم الإمكانيات المقبولة التي رصدت له، لم يتمكن مسلسل «جنى العمر» للمخرجة ليليان البستاني من الوصول إلى الجمهور بالشكل المطلوب، ولعله سيأخذ فرصة أفضل بعرضه الثاني على قناة «الجديد» (الأحد 20:30 والاثنين 21:30).