غزة | قبل أسابيع، انضمت صفحة «فاعل» إلى فضاء الفايسبوك لتقليص الهوّة المعرفيّة بين الواقع المقدسي وروّاد الإنترنت. هذه الصفحة التي تبتعد عن السطحية وقشور المعلومات وتلِج العمق الفلسطيني، أبصرت النور بجهد شبابي خالص. يسبر فريق صفحة «فاعل» الموزّع بين البحث والتصميم والمونتاج أغوار القضايا الفلسطينية بالاستعانة بأدوات تقنية حديثة. ينقّب الفريق البحثي عن الأرقام والإحصاءات الدقيقة والمعلومات المغيّبة عن المشاهد العربي، ويصبّ هذه الخلاصة البحثية في قالب بصريّ مُتماسك. ما يميّز «فاعل» أن طريقة إنتاجها لمقاطع الفيديو المشرّحة للحالة الفلسطينية المعقّدة مختلفة وجديدة.
تلك المقاطع أشبه بومضات سريعة تلقي الضوء مثلاً على سياسة التطهير المكاني ضدّ المقدسيين.
ورغم عدم تجاوزها الدقيقتين، غير أنها تعتمد على معلومات مكثّفة ومركّزة تهيّئ أرضيّة صلبة للمشاهد العربي للتعمّق والبحث على نحو جديّ في تفاصيل سياسات الاحتلال في المدينة المقدّسة. وفي وقتٍ لا يتعدّى دقيقة ونصف دقيقة، تمكّن صفحة «فاعل» المشاهد من التجوال في عالم المقدسيين المؤلم، إذ تضعه في قلب سياسة حظر البناء وهدم المنشآت بحجّة عدم الترخيص.
ولا تخلو هذه المقاطع القصيرة من حقائق صادمة للمشاهد الذي لا يمتلك وعياً كافياً في القضايا المقدسية، على غرار اضطرار المقدسيين أحياناً لهدم «شقاء عمرهم» بأيديهم، تجنّباً لدفع تكاليف الهدم المقرّة من بلدية الاحتلال الإسرائيلي. وتُوضِح كذلك أن نسبة البناء القصوى للمقدسيين لا تتجاوز 50 في المئة مقابل 125 في المئة للإسرائيليين، مع التعريج على سياسة الهدم العقابية بحقّ أهالي منفّذي العمليات الاستشهادية، كهدم منزل عائلة الشهيد عبد الرحمن الشلودي.
أمّا في مقطع «سحب الهوّيات من المقدسيين»، فتسّهل الصفحة على المشاهد معرفة مظاهر الغربة التي يشعر بها المقدسي، حيث يمنحه العدو بطاقة هويّة إسرائيلية تحوّله إلى مجرّد مقيم أجنبي في أرضه يحكم حياته مزاج العدوّ. وعالج المقطع أيضاً جملة الذرائع التي يتمسّك بها العدو لسحب الهويات من المقدسيين، خصوصاً أن أكثر من 15 ألف طردوا من مدينتهم منذ عام 1967. ويختم الفريق المقطع بإبراز ورقة سحب هوية الإقامة كورقة ضاغطة يشهرها العدو بوجه أهالي الاستشهاديين لتدفيعهم ثمناً باهظاً. لا تقتصر بصمات الفريق اللافتة على مقاطع الفيديو، بل تطاول الصور والعبارات القصيرة، حيثّ يقسم نشاطاته على الصفحة إلى «فيلميات» و»صوريات» و»ستيتسات».
تعرض الصفحة أرشيفاً من الصور التي نجد فيها مساحة لبوح المقدسيين الصامت بمنغّصات حياتهم. يتنقّل المشاهد بين صور هدم جرّافات العدو لمنشآت المقدسيين، وبين صور أخرى تحكي تحديّاً وعناداً كبيرين في الإصرار على العيش في القدس رغم مخططات الأسرلة. ويلفت أحمد البيقاوي أحد القائمين على «فاعل» في حديثه لـ»الأخبار» إلى أن «الصفحة تنوي استكتاب الشباب بعبارات قصيرة لا تتعدى 30 كلمة لنشرها على الصفحة». وأكّد أن «الصفحة لن تختزل فلسطين في القضية المقدسية، بل ستعرض ملفات أخرى». ويبدو أنّ صفحة «فاعل» ستكسر المشهد الإعلامي الفلسطيني، لكن هل تتمكّن من أن تكون «فاعلاً» حقيقياً في شتّى الميادين على الأرض؟