العدّ التنازلي بدأ، ومحطة الوليد بن طلال تستعد للانطلاق. قناة «العرب» ستبصر النور في شباط (فبراير) 2015 وفق ما أعلن رئيسها التنفيذي فهد السكيت أمس (راجع الكادر أدناه) خلال مؤتمر صحافي أقيم في المنامة. وإلى حين هذا التاريخ، حملات ترويجية مكثفة مع لوغو القناة الذي يشبه إلى حد ما لوغو قنوات «روتانا» بتفرعاتها، ويزدان باللونين الأخضر والذهبي.
يطرح هذا الإعلان سلسلة من الأسئلة والإشكاليات، خصوصاً مع تشديد السكيت على «حيادية» الفضائية و»قربها من الناس» انطلاقاً من شعارها «القصة التي تهمك»، والترويج لعدم تبنيها أي سياسة معينة، بل التركيز على قضايا الناس ومشاكلهم وتعاطيها بمهنية، معرفةً عن نفسها بأنّها «قناة إخبارية عصرية على مدار الساعة». طبعاً هذا الكلام قد لا يقترب من الحقيقة قيد أنملة. اتخاذ البحرين مركزاً لها بحد ذاته، يحمل أبعاداً سياسية تتداخل معها زواريب الإعلام والاقتصاد. ولاختيار البحرين أسباب كثيرة، أهمها العلاقة الوطيدة التي تجمع مالك القناة، الأمير الوليد بن طلال، بالملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، بالإضافة إلى السعي للترويج بأن المملكة الخليجية تنعم بالاستقرار والأمان، إلى جانب قربها الجغرافي من السعودية، وبالتالي ولوج المحطة أكثر في هذا السوق إعلامياً واقتصادياً.
«العرب» التي تسعى إلى الترويج لصورة مالكها، ستحاول خلق نمط إعلامي جديد مختلف عن الإعلام الخليجي الذي يسود الفضاء العربي، فـ»الجزيرة» كانت وحدها في الميدان، قبل أن تأتي «العربية» لتحاول منافستها وكسر سطوتها. واليوم مع انطفاء شعلة القناة القطرية والانحياز السياسي الأعمى الذي تتخذه القناة السعودية، كانت الحاجة إلى قناة «العرب». تدخل الفضائية الوليدة مجدداً على خط الصراع السعودي – القطري، خصوصاً مع خروج «العربي الجديد» بنسختيه الإلكترونية والورقية ليكون رافعة للإعلام القطري في انتظار ولادة قناته التلفزيونية في القريب العاجل.
هامش من الحرية المحدودة أعطي للمدير العام للقناة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي سيتصرّف به مرحلياً بالتدرجّ وفق ما يقول مصدر مطلع على الملف لـ»الأخبار». ويشير إلى أنّ القناة الوليدة ستكون حيادية أقله في المرحلة الأولى، بل ستستقبل أصواتاً بحرينية معارضة من شأنها كسر أحادية نعم بها الإعلام السعودي طوال الأعوام المنصرمة. والمعلوم في هذا الإطار زيارة مستشار ملك البحرين للشؤون الإعلامية نبيل الحمر لـ«مركز البحرين التجاري العالمي» في المنامة الذي يضم مقرّ القناة قبل أسبوع. ومعلوم أيضاً معاداة الحمر وأبلسته للمعارضة البحرينية حتى ما يسمى «المعتدلة منها». لكن في المحصلة، يمكن وصف التوجه العام لـ«العرب» بأنّه لن يحيد عما تبثه «العربية» حالياً في السياسة ومقاربة الملفات الساخنة في المنطقة خصوصاً سوريا ولبنان. الثقل الأساسي سيكون اقتصادياً، تحقيقاً للشراكة بين القناة ووكالة «بلومبيرغ» للأنباء الاقتصادية حيث المساحات المخصصة للحديث عن اقتصاديات السوق التي قد تصل إلى تغطية 6 إلى 7 ساعات يومياً تواكب فيها حركة الأسواق السعودية والخليجية، وتدخل في تفاصيل حياة الفرد الإقتصادية وتضع بين يديه أفضل الخدمات المتعلقة به. وكل هذا الضخّ ليس إلا سبيلاً لإبراز صورة الملياردير السعودي بشقه الاقتصادي «الليبرالي» هذه المرة. «الليبرالية» التي ستحاول القناة المنتظرة تكريسها اقتصادياً، وإلى جانبها نفس «منفتح» على الآراء المعارضة ولو بضآلة معينة، سيواكبها طاقم من الإعلاميين طعّم بالجانب النسائي. نجمة «العرب» ستكون الإعلامية العراقية المستقيلة من «الجزيرة» ليلى الشيخلي التي ستخصَّص لها مساحتان: واحدة عبارة عن نشرة إخبارية عربية مفصلّة وأخرى تحليلية مع برنامجها «المشهد». إلى جانب الشيخلي، يطلّ زوجها الإعلامي جاسم العزاوي الذي أسند اليه تقديم النشرات الإخبارية. وللشباب السعودي تحديداً حصته مع برنامج «مغيّرو اللعبة». الأخير إضاءة على إنجازات الشباب عبر مشاريع ابتكروها وغيّرت في مجالي التجارة والأعمال.
قد لا تستطيع قناة «العرب» منافسة أقرانها. لكن الأكيد أنها تضع ثقلاً لا مثيل له على الصعيد التقني مع إدراجها لأحدث المواصفات والبرمجة على صعيد الشرق الأوسط (الأخبار 23/11/2014). في هذا الإطار، منحت «العرب» قبل أسابيع جائزة «أجمل استوديوات وتجهيزات» من قبل «ميدل إيست برود كاست». ومع هذا الثقل التقني والاقتصادي والهامش الإعلامي، هل ستستطيع فرض نفسها على خريطة القنوات الفضائية؟ والأهم كيف ستطبق «حياديتها» التي تروّج لها ليل نهار؟