مناسبة هذه المقالة هو ريسيتال لعازف البيانو مهتدي الحاج (1987 ـ الصورة). وبما أنها المرة الأولى التي نتناوله فيها، فلن نركّز على الأمسية. عندما يقع المرء على اسم فنانٍ لا يوحي بارتباط البيئة الآتي منها بفنه، يشعر أنه أمام تجربةٍ قوامها الشغف، أي الحب الكبير الذي ينبش طاقات لا يدركها الدماغ في حالات استفزازه العادية. من دون شغف، لا يتحقق اختراق جدران البيئة والزمن والإمكانات المادية واللوجستية. أن نسمع بعازف بيانو كلاسيكي اسمه فلاديمير أو شهرته جرمانية، ليس مثل أن يُدعى هذا العازف مهتدي الحاج.هذه الموسيقى ليست من عندنا ولا الزمن زمنها ولا بلدنا من النوع الذي يشجّع على الاستماع إليها، فكيف بدعم ممارستها؟! الصين، مثلاً، ليست موطن الكلاسيك، لكن أعداد المتخرجين في العزف على البيانو وغيره سنوياً هي بالآلاف. إذاً، نحن لسنا مثل ألمانيا ولا مثل روسيا، وهذا طبيعي، لكننا لسنا حتى مثل الصين. نحن في القعر وإيجاد بلدٍ اسمه المملكة العربية السعودية أسوأ منّا ليس معياراً ولا المقارنة أمراً مشرفاً أصلاً. هكذا هو بلدنا.

فيه واحات أرستقراطية (عائلات، مناطق…) «تخرِّج» عازفي بيانو، ينتهي معظمهم على رأس شركة العائلة. مهتدي الحاج، اللبناني أولاً، والآتي من خارج البيئة الأرستقراطية ثانياً،
يستعيد
الليلة أعمالاً لشوبان ولِيسْت


استطاع بدعم شبه معدوم فكّ الشيفرة الوهمية التي تقفل عالم الموسيقى الكلاسيكية، وتلك الحقيقية التي تجعل البيانو أعقد آلة من صنع الإنسان (ليس المقصود الآلات الموسيقية فقط).
إنه عازف بيانو كلاسيكي مُكتمِل. صفة مُكتمِل لا تعني عظيماً ولا حتى ممتازاً. هذه العبارة تعني فقط أنه لم يعد بحاجة إلّا إلى الوقت للتمارين المتكرّرة على مقطوعات ينفذها من دون خطأ أصلاً، ثم إلى العمر لاكتساب الخبرة والنضوج… وأولاً ودائماً الدعم بشتى أشكاله. مثلاً، عَلِمنا أنه في بعض الأمسيات التي قدّمها، وضع المنظمون في تصرّفه بيانو كهربائياً! وفي أحسن الأحوال بيانو رديئاً. هل يُعقَل؟ من دون مبالغة، إن ثمن إيجار آلة محترمة لا يتخطى نصف كلفة عشاء ربع الصف الأولى من جمهور أمسية كلاسيكية، بعد الأمسية. هذا حرام. لكنَّ الدعم الأكبر الذي سيفرض اهتماماً بمهتدي الحاج هو حضور أمسياته. لنبدأ من الليلة، حيث سيعزف شوبان ولِيسْت في BIEL بدعوة من «النادي الثقافي العربي».

* أمسية مهتدي الحاج: 19:30 الليلة في BIEL بدعوة من «النادي الثقافي العربي»