خلال العام الماضي، انطلق مهرجان موسيقي جديد في لبنان تحت عنوان «بيروت أند بيوند». بدءاً من اليوم، تستضيف العاصمة النسخة الثانية من الحدث الذي يُنظَّم بالتعاون مع مهرجان «أوسلو» للموسيقى العالمية. ستتحوّل بيروت مكاناً حاضناً لفنانين محليين وأجانب سيجتاحون إلى عدد من الحانات لتقديم أنماط موسيقية متنوعة. شعرت مديرة المهرجان أماني سمعان أنّ الساحة الموسيقية في العالم العربي ولبنان يفتقدان إلى قاعدة يستفيد منها الموسيقيون المحليون لعرض أعمالهم واللقاء والتبادل مع موسيقيين دوليين.
من هنا ولدت فكرة إنشاء المهرجان قبل نحو 3 سنوات. الهدف الأساسي وفق سمعان كان «العمل على تطوير البنى التحتية للموسيقى ومساعدة الموسيقيين الصاعدين الموهوبين على البروز. يرمي المهرجان أيضاً الى عرض المشاريع الموسيقية المحلية أمام العاملين الدوليين في المجال، وبالتالي، خلق فرص تبادل وتعاون».
التجربة الأولى لأي حدث تشكّل دائماً خطوة جريئة. تنظيم مهرجان مماثل كان أشبه بتحدّ. الانطباع الأول هو الأهم، والاستمرارية تستدعي نجاح التجربة تلك من أجل إعطاء صورة جيدة عن المهرجان وإثبات أهميته.
الوضع الأمني المضطرب كان حينها عائقاً أمام تسهيل سير الأمور، لكن أيضاً حافزاً يزيد الحاجة إلى التحدي والإصرار على إقامة الأحداث الثقافية رغم الظروف المعاكسة. التجربة الأولى فتحت الأبواب أمام المنظمين في الخارج، وبات التعاون مع فنانين من بلدان مختلفة يحصل بسلاسة أكبر، وبالتالي أصبحت ممكنة دعوة المزيد من الفنانين الدوليين للمشاركة هذا العام. في حين أن الحدث اقتصر على بيروت في العام الماضي، رأى المنظّمون أهمية الخروج من العاصمة أيضاً. في هذا الصدد، تأتي أمسية فرقة «ألف» في طرابلس (9 /12) التي تضمّ موسيقيين من العالم العربي، أبرزهم تامر أبو غزالة الذي سيؤدي مجموعة أشعار لمحمود درويش وسركون بولص.
تامر أبو غزالة
يؤدي مجموعة أشعار لمحمود درويش وسركون بولص

تمّ انتقاء الضيوف بعناية أيضاً هذا العام، حفاظاً على مستوى معيّن. 15 ضيفاً سيحضرون الى بيروت، من ضمنهم مبرمجون ومدراء فنيون ومدراء مهرجانات من المغرب والسويد والنروج وتركيا وإيطاليا وفرنسيا واستراليا وهولندا. الافتتاح سيكون مع رائد خازن (20:30 ـ مسرح المدينة) الذي سيقدّم حفلة جاز من موسيقى لبنان واليونان، يتبعه مهدي نصولي الذي يقدّم موسيقى الـ»كناوة» المغربية في قالب معاصر. السهرة الأولى ستكون برفقة موسيقى إسلام شيبسي (مصر ــ 22:30 الليلة ـ مسرح المدينة) والموسيقى الشعبية. في اليوم التالي، يأتينا بوجي ويسيلتوفت من النروج (21:30 ـ مترو المدينة)، ينضمّ اليه إيلي عفيف على الباص. كما يستضيف المهرجان عازف الباص الايطالي دانيال كاماردا (6/12 ـ 19:30 ـ Mansion) الذي يقدّم أداء منفرداً. مزيج من الفن الجزائري والريغي والجاز أيضاً مدرج في البرنامج (ديمقراطوز ـــ 6/12 ـ 21:30 ــ Station Beirut) إضافة الى موسيقى من وحي ألحان افريقيا الجنوبية في قالب إلكتروني (سكيب أند داي ــ 6/12ــ 22:30 ــ Station Beirut). في اليوم الاخير من الحدث، نحن على موعد مع ثلاثي جاز من السويد وسويسرا وألمانيا (20:00 ـــ Concrete 1994) هم غيسينغ، روهر، ماير الذين سيقدمون أيضاً موسيقى جاز. والختام سهرة تتضمّن موسيقى الكترونية من سوريا، من وحي ألحان المواويل البدوية (هيلو سايكاليبو ــ 22:30 ـ Concrete 1994).
نلاحظ أن البرنامج مختلف تماماً عن العام الماضي، ذلك أن المنظمين يرمون من خلال هذا الحدث الى تعريف الجمهور اللبناني إلى أنواع جديدة من الموسيقى.
من جهة المشاركة اللبنانية، رائد خازن (REK) وDNB، وكلاهما من المفترض أن يطلقا ألبومهما الاول عام 2015. موسيقى الاول مبنية على ألحان متوسطية، في إطار جازي، مع عازف بايس ودرامز من اليونان.
أما الثاني، فيعتمد على الارتجال، كما يستقبل ضيفاً خاصاً على المسرح.
نرى خليطاً من الجنسيات والأنماط في هذا المهرجان.
الفكرة مبنية على دعوة فنانين من أنحاء العالم العربي يقدّمون موسيقى ذات جودة عالية وجدية. البلد الذي يأتون منه كما الانماط التي يقدمونها مجرّد تفاصيل. رغم أن البرنامج متنوع ومنفتح على جميع أنواع الموسيقى، من جاز و»داب» (نوع موسيقي تطور في الستينيات ومبني على الـ»ريغي») وشرقي وشعبي وغيرها، رغبةً من المنظمين بعدم وضع القيود، فهناك تركيز خاص على الموسيقى الإلكترونية، بما أن الميل اليوم هو لهذا النمط.
الى جانب الاضطراب الأمني، مشكلة أخرى تعترض تنظيم المهرجان. أحداث مثيلة لا تلقى دائماً الدعم المالي الكافي. الشراكة مع مهرجان «أوسلو» سمحت باللجوء الى دعم سفارة النروج في بيروت، كما قدّم صندوق «آفاق» العربي التمويل. واختار المنظمون أيضاً إطلاق حملة تمويل على الانترنت أو ما يعرف بالـ»كراود فاندينغ» من أجل توسيع أنشطة المهرجان ودعوة المزيد من المحترفين. صحيح أن الجمهور لم يتعوّد بعد على هذا النوع من التمويل للمشاريع الثقافية، كما تشير سمعان، الا أن اللجوء الى هذه الوسيلة بات ملحاً لدى بعض العاملين في المجال. والنتائج المشجعة تدلّ على أنها وسيلة فعّالة. الدعم الذي حصل عليه المهرجان من اندونيسيا وأمستردام مثلاً خير دليل على أن الموسيقى تزيل بالفعل الحدود.
الانطباعات الجيدة التي أتت من الجمهور والحاضرين في المهرجان العام الماضي شجّعت على تنظيمه مجدداً هذا العام بحسب سمعان، خصوصاً أنّ هذه الخطوة أظهرت أهمية المبادرة في مجال تطوير ساحة الموسيقى المستقلة في لبنان.



«بيروت أند بيوند»: من 4 حتى 7 كانون الأول (ديسمبر) ـــ www.beirutandbeyond.net