تونس | اختارت ادارة «أيام قرطاج السينمائية» أن يكون الافتتاح بفيلم الموريتاني عبد الرحمن سيساكو ليس لحرص إدارة المهرجان التي ترأسها المنتجة السينمائية درة بوشوشة على البعد الافريقي للمهرجان باعتباره أعرق تظاهرة سينمائية عربية أفريقية فحسب، بل أيضاً للجدل الذي أثاره «تمبكتو ــ شجن الطيور» عندما عرض في «مهرجان كان» الأخير. يندرج الشريط يندرج ضمن المسار السينمائي الذي اشتهر به سيساكو. لم تغب عن الفيلم المسحة الشعرية ولا المقاربة الاثنية والانتروبولوجية التي عرف بها في كل أعماله.
سيساكو الذي عاش طفولته في مالي من أسرة قادمة من موريتانيا ثم في باريس، يبدو مسكوناً بكتابة أسطورة الحياة اليومية في الصحراء الافريقية الممتدة بين مالي وموريتانيا ونيجيريا. وفي «تمبكتو ـ شجن الطيور»، يقدم شهادة روائية موجعة عن الأشهر التي عاشها شمال مالي في قبضة المتشددين الذين صادروا الحياة الجميلة ومنعوا كل شيء، الحب والموسيقى وكرة القدم والاحلام!
يبدأ الشريط بمشهد فاجع: سيارة رباعية الدفع تحمل مجموعة من الملثمين المدججين بالسلاح (كلاشنكوف) يطاردون غزالة هاربة من الرصاص الذي يخترق جسدها كما يخترق مجموعة من المجسدات الفنية في إحالة واضحة على معاداة الإسلاميين لكل شيء جميل من الغزال إلى المرأة والفن. ومثلما يبدأ الشريط بهذا المشهد الدامي، ينتهي بمشهد الطفلة "توية" ذات الـ ١٢ ربيعاً وهي تجري في الصحراء بلا وجهة ولا سند بعدما نفذ الاسلاميون حكم الإعدام في والدها كيدان وأمها زادمة عندما حاولت احتضان زوجها، فاخترق الرصاص جسديهما في مشهد حزين رافقته موسيقى النهاية لأنور براهم!
بين المشهدين، امتد الشريط في حكايات تبدو متفرقة لكن ما يربط بينها هو رصد الحياة اليومية تحت حكم «الشرطة الاسلامية» التي تنفذ «أحكام الشريعة الاسلامية». الموسيقى ممنوعة، وقد تم جلد مغنية شابة لمجرد أنّها كانت تغني في الليل على إيقاع الغيتار الأفريقي مع أصدقائها. وكلما كانت السياط تنهال عليها، كلما ارتفع صوتها بالغناء تحدياً لقمع واستبداد الإسلاميين. كما نشاهد إعدام عاشقين بعد ردمهما حيين في ساحة عامة. الشريط موجع يفضح ما فعله الإسلاميون بشمال مالي الذي اختار سيسكو أن يرمز اليه بمدينة "تمبكتو" ذات الارث الصوفي والحضاري الكبير. يكشف عن الوجه الدموي للمتشددين الدينيين الذين يقاتلون في شمال مالي ويستهدفون الجزائر ولهم ارتباطات بالارهابيين في كامل المنطقة. اختار المخرج ان يكون معظم هؤلاء القادة من خارج مالي للتأكيد على أنّ الاٍرهاب صار ظاهرة دولية.