حسناً يفعلون، إذ يغادرون هذا الكوكب المظلم. سعيد عقل وصباح ونهاوند وسميح القاسم وسعيد صالح ونضال سيجري وخالد صالح ووردة وخالد تاجا وعبد الرحمن آل رشي ومعالي زايد ومريم فخر الدين وتيسير السعدي ووفيق الزعيم وسليم كلاس وعصام عبه جي. «وداعاً أيها العالم القاسي». بهدوء قالوها قبل اللحاق بلؤي كيّالي وخليل حاوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وسعد الله ونوس وممدوح عدوان ومحمد الماغوط. حسناً يفعلون.
هذه المنطقة ملعونة منذ الأزل، وستبقى. توقيتهم مضبوط بدقّة متناهية. لا مكان للمزاح والمصادفات في أمور كهذه. منذ انطلاقته المظفّرة، لم يترك لنا الشتاء العربي القارس ما يقدر على تدفئتنا وتهدئة أرواحنا. وصل هؤلاء إلى نوبة التشكيك في جدوى ما يفعلون. ما نفع الكلمة والأغنية والمشهد في مفرمة اللحم هذه؟ هكذا، لم يعد أمامهم سوى البصاق على العالم والانسحاب إلى الأبد. حسناً يفعلون. الهزائم المتوالية تبتلعنا كحوت يونس، فيما صبر أيوب لن يجلب سوى المزيد منها. نوح ليس هنا للأسف. لقد جاءنا المتشبّهون بهم، ولكن على هيئة مسوخ لزجة ذوي لحى طويلة ووجوه ملثّمة. صار أهل هذه المنطقة عالة على العالم. يستنزفون موارد الكوكب من دون فائدة. أجيال تلو الأخرى تعرف من الشرف جرائمه، ومن الدين حدوده ورباط خيله، ومن الجمال فتاوى نكاحه، ومن الفن غرائزه ودركه الأسفل. إذا شطب كل النتاج الفكري والأدبي والفني لهذا الجزء من العالم، هل سيتأثّر المشترك الإنساني ولو قليلاً؟ في «أرض اليباب»، لفّ السواد كل شيء. لم يعد من متسع سوى للخراء. فعلامَ يبقون؟ إنّهم فقط أكثر شجاعة، وأكثر حبّاً للمجرّات الأخرى حيث الهدوء والسلام.
حسناً يفعلون. المجد للقتلة والذبّاحين وأكلة القلوب وأهل الجزم الثقيلة. فليحيا البرابرة طويلاً طويلاً، وليصعد من لا يعجبه ذلك على متن أول مكوك مغادر.