كيف تنجز فيلماً لا ضحايا فيه ولا أبطال حيث الجميع يشترك في عالم فاسد مثير للشفقة والسخرية في آن معاً؟ كيف يمكن أن تشكل بورتريهاً لفلسطين يخرج عن المألوف ويبتعد عن النمطية والكليشيه؟ وكيف تجمع الاحتلال والسياسة والحب والمجتمع في عمل واحد من دون أن يطغى موضوع على آخر؟ المخرج الفلسطيني مؤيد عليّان يجيب على كل ذلك بفيلمه الروائي الطويل الأول «حب وسرقة ومشاكل أخرى».يحكي الفيلم قصة الشاب موسى الذي يسرق سيارة من القدس المحتلة، ليؤمن رشوة لأحد المسؤولين كي يساعده على السفر إلى أوروبا. يكتشف لاحقاً أن السيارة التي سرقها تعود إلى المقاومة الفلسطينية التي تخفي في حقيبتها الخلفية جندياً إسرائيلياً اختطفته لمقايضته بأسرى فلسطينيين. يجد موسى نفسه في ورطة كبيرة، مطارداً من المقاومة التي تريد استرجاع الجندي المخطوف، ومن الاحتلال الذي يقبض عليه في سرقة أخرى ويحاول إسقاطه للتعاون معه للوصول إلى عناصر المقاومة، وتتخلل تلك الأحداث علاقة حب تربطه بمنال المتزوجة من رجل ثري سيلاقي حتفه في آخر الفيلم.
يطرح في الصالات العربية الشهر المقبل

على مدار ساعة ونصف الساعة، يعرض عليّان نموذجاً للشاب الفلسطيني اليائس، الذي ينظر إلى الهجرة كمهرب وحيد وأمل أخير، حيث جحيم الاحتلال الذي يصادر الأرض والحياة ويبتز الخلق ما زال يستعر يوماً بعد يوم، وحيث المسؤول المرتشي الفاسد هو نموذج لسلطة بكاملها، في واقع تتقلَّص فيه الآمال ويختنق فيه الأفق. تظهر قضية الأسرى كخلفية للفيلم من دون أن تكون في الواجهة بشكل واضح. وبلفتة سريعة يطرح المخرج قضية الاغتصاب في إطار الزواج و"جريمة الشرف" ولا يوفر عليّان نقده وسخريته من سذاجة المؤسسات الأوروبية ومعاييرها. كل تلك المواضيع جعلت فيلم عليّان عملاً غنياً يحمل مقولة متحررة من القوالب الجاهزة والشعارات الرنانة، عن مرحلة فلسطينية قد تكون الأسوأ منذ النكبة.
سنحتار في تصنيف الفيلم الذي يجمع الأكشن بالدراما بالكوميديا، فهو ليس أي واحد منها وهو كلها في آن معاً، وقد نجد في الفيلم أفلاماً أخرى لإيليا سليمان، وجيم جارموش، ووودي آلن. يبدو من الواضح تأثر المخرج بهم، لكن بدون الوقوع في فخ التقليد والاجترار. الفيلم الذي اعتمد بشكل واضح على كوميديا الموقف، أخفق أحياناً وأصاب أخرى في كوميدياه، لكن تسجَّل له جرأته العالية في الطرح والنقد واللعب بالرموز والمسلّمات التي لا ضير أن تُحطم أحياناً. في «حب وسرقة ومشاكل أخرى»، سنشاهد صورة غير اعتيادية عن المقاومة الفلسطينية لم نرها من قبل على شاشات السينما، كما سنشاهد لقطات حميمية وأجساداً شبه عارية ـ قد تكون الأجرأ فلسطينياً ـ من دون أن نشعر بأنها وُظِّفت لغرض الإثارة.
جاء الفيلم بالأبيض والأسود. وبالرغم من أن هذه التقنية تستخدم عادة لإضفاء جو من الغرابة والخيال على الأفلام، إلا أن المخرج الذي يعيش في القدس المحتلة أراد ربما أن يقول لنا إن الواقع الفلسطيني موغل في غرابته وسرياليته، كما جاء الفيلم بصورة مضبوطة إلى حد ما رغم إحساسنا أحياناً ببعض المشاكل في الإضاءة ومعالجة الألوان. حركة الكاميرا جاءت موفقة إلى حد كبير، فيما غلبت على الموسيقى آلات النفخ، وكانت مناسبة في مرافقتها لمعظم المشاهد. كما استعان عليّان بمجموعة ممثلين جاء أغلبهم من المسرح، مما لعب دوراً كبيراً في مسرحةٍ صبَّت في معظمها لصالح الفيلم، إذ قام الممثل والمخرج المسرحي سامي متواسي بدور شخصية الفيلم الرئيسة، وفاجأتنا الشاعرة مايا أبو الحايات بظهورها السينمائي الأول، بعدما لفتت الأنظار سابقاً بموهبتها التمثيلية في مسلسل "باب العامود"، ولعبَ المسرحي كامل الباشا دور قائد في المقاومة. ورغم الظهور القصير للمخرج والممثل رمزي مقدسي، إلا أنه برع في دوره الذي أوكل إليه آخر الفيلم.
في «حب وسرقة ومشاكل أخرى»، قد لا نعثر على ما هو أصلي أو جديد، فالتقنيات التي استخدمها عليّان شاهدناها كثيراً. أما القصة فهي واحدة من القصص التي قد نسمعها أو نصادفها في أي مقهى فلسطيني، وهذا هو التحدي الجديد للمخرج وهويته السينمائية بعد تجربته الروائية الأولى. لكن طريقة معالجة المواضيع الكثيرة، والبناء الدرامي السليم، والحبكة المُحكمة والسيناريو الجيد الذي كتبه مع أخيه رامي عليّان، كلها عناصر جعلت من الفيلم ـــ سيوزع على الصالات العربية والأوروبية ابتداء من آذار (مارس) المقبل ـ عملاً مفاجئاً يستحق المشاهدة، وجعلتنا متحمسين لتجربة واعدة سننتظر جديدها بفارغ الصبر.