غزة | تكفي نظرة متفحصة واحدة إلى الإعلام العربي لملامسة خطابه الذي يكرّس واقع التجزئة بين الفلسطينيين ويسحق هويّتهم الجمعية. ليس هذا مستحدثاً على سياسة المنابر العربية، فلطالما اعتاد الداخل المحتل خطاباً يعزز دعائم عزله عن محيطه، ويرسّخ عملية القولبة المفاهيمية بهدف كيّ وعي الجمهور. وليس عفويّاً في المطلق إدراج مسمى «عرب إسرائيل» في القاموس الإعلامي المتماهي مع سياسة العدو.
ليست وسائل إعلام الداخل المحدودة بمعزل عن ضخ تلك المغالطات، خصوصاً أنه تعوزها أرضية موحّدة وصلبة تقف عليها بفعل الاستقطابات الحزبية. كذلك فإن البرودة القاتلة التي تعاملت بها هذه الوسائل أخيراً مع جريمة قتل الشاب خير حمدان (كفركنا - الجليل المحتل) على يد شرطة العدو الإسرائيلي تشي بغياب صوت ثوري متناغم مع أحداث الشارع الساخنة.
تعاطٍ بارد مع
جريمة قتل الشاب
خير حمدان

صحيحٌ أنّه يصعب انعتاق هذه الوسائل كلياً من قمقم العدو بفعل قيود منح التراخيص والرقابة العسكرية المشدّدة، عدا المناورة الإسرائيلية معها باستخدام سياسية «العصا والجزرة»، غير أنّ بعضها يبدي ولاءً فاضحاً للعدو كرمى لعيون «الجزرة» المتمثّلة في الدعم الحكومي الإسرائيلي والتربّح من الإعلانات الرسمية لمؤسسات دولة العدو. لم تستحِ إذاعة «شمس» التي تبثّ من الناصرة وهي الإذاعة العربية الوحيدة في الداخل المحتل من إلباس رئيس «إسرائيل» رؤوفين ريفلين لبوساً إنسانيّاً وتلميع صورته، في وقتٍ لم تجفّ فيه دماء حمدان بعد. هكذا، نشرت الإذاعة على موقعها مقالةً لمديرها سهيل كرام بعنوان «رئيس للجميع». هذه المقالة المريبة التي لم تنطلِ على الداخل الذي لا يزال يرزح تحت وطأة العنصرية والقمع الممنهج، حملت في طيّاتها رسائل ممسوخة، من بينها أنّ «الجمهور العربي حظي برئيس يحترم عقائده وخصوصيته وعاداته، يتفهم نهجه وإن اختلف مع أيديولوجيته». كذلك ذهبت مجازر العدوّ المروعة بحق الفلسطينيين أدراج الرياح، بعدما أضاء على «حنوّ» ريفلين على خلفية «اعتذاره» من أهالي ضحايا مجزرة «كفر قاسم». كذلك، لا تجد الإذاعة عيباً وانحرافاً عن الوطنية في استخدامها مصطلح «وزير الدفاع الإسرائيلي» أو «مصرع» بدلاً من «استشهاد»، كأنّ الشاب حمدان مات ميتةً طبيعية. ويتقاطع مع سياسة «شمس» موقعا «بانيت» و»بكرا» اللذين يرسّخان المناطقية ولا يقرّان بالعيش تحت سطوة الاحتلال، بل في كنف «دولة» تحكمها أجهزة أمنية قد تتعامل بقبضة حديدية مع «مواطنيها» الفلسطينيين. في جولة سريعة خاطفة على مواقع الداخل وصحفه، يلتقط القارئ أخباراً على هذه الشاكلة «عرب ويهود يتظاهرون للعيش المشترك» و»زعيم حزب العمل الإسرائيلي يدعو للتحقيق في مقتل حمدان».
ويلحظ انضواءها تحت جناح «الدولة» باستثناء موقعي «عرب 48» و»الجبهة الوطنية للسلام والمساواة» اللذين كسرا ذلك المشهد المتشنّج، وأفرزا مواد إعلاميّة لا تضع الحقّ والباطل في كفّة واحدة. في غمرة الأحداث التي تشتعل بين الفينة والأخرى في الداخل، يتّضح أن هذه الساحة بحاجة إلى نفضة إعلامية عاصفة لتكتمل الصورة المبتورة.