كان طبيعياً أن تحذف قناة «العربية» يوم الخميس الماضي خبر تغطيتها لإغلاق الحرم القدسي في فلسطين المحتلة للمرة الأولى. كانت تظن أنّها تسبح في جزيرة معزولة، وأن المصطلحات التي تستخدمها ستمرّ مرور الكرام. هكذا، حُذف الخبر عن موقعها الإلكتروني بعد سلسلة اعتراضات وحملات إلكترونية طاولتها بسبب تبنيها للخطاب الصهيوني.
في خطوة تسهم في ترسيخ المصطلحات الصهيونية، استبدلت القناة السعودية مصطلح «المسجد الأقصى» بـ»المجمع المقدس» الذي يطلقه الصهاينة على المسجد. قرار إغلاق الحرم القدسي جاء على خلفية إصابة الحاخام اليهودي المتطرف يهودا غليك بطلقات فلسطيني يدعى معتز حجازي. وأوردت «العربية» في هذا السياق الخبر على النحو الآتي: ”أصيب ناشط إسرائيلي يميني بالرصاص الليلة الماضية أثناء مغادرته مؤتمراً للترويج لحملة تطالب بالسماح لليهود بالصلاة في المجمع المقدس لدى المسلمين واليهود».
تبنّت مصطلح
«المجمع المقدس» قبل حذفه لاحقاً
إذاً، تبنت القناة المصطلح الصهيوني، ما أثار موجة من السخط والغضب عمّ وسائل التواصل الاجتماعي واتهمت القناة السعودية «بالخيانة السياسية والدينية» و»التماشي مع الخطة الصهيونية» المرسومة لتهويد فلسطين. الناظر بشكل دقيق الى تغطية «العربية» سيلاحظ حتماً أنّ المصطلحات الصهيونية لم تكن وحدها حاضرة في التغطية، بل إنّ صياغة الخبر كله تعيد تكريس سياسة القناة المتماهية مع الصهيونية. الخبر لا يستخدم ولو بالصدفة عبارة «احتلال» بل «الشرطة الإسرائيلية». أكثر من ذلك، وضع الخبر المتطرفين اليهود الحاضرين في باحة الحرم القدسي على قدم المساواة مع الفلسطينيين، فجاء على هذه الشاكلة: ”أغلقت الشرطة الإسرئيلية الحرم القدسي الشريف (..) في خطوة نادرة للغاية لمنع الاحتكاكات بين المسلمين واليهود». الحاخام المذكور المتطرف الذي كان موجوداً للدعوة الى «فتح أبواب الحرم القدسي لليهود» ويروّج «لصلاة تجمع المسلمين واليهود»، هو بالنسبة الى «العربية» «ناشط إسرئيلي يميني». صياغة الخبر الفاقع لم تكتف بهذا، بل اشتملت على «طمأنة» إلى أنّ الفلسطيني مطلق النار «المشتبه فيه الوحيد» تم قتله في منزله في حيّ أبوطور في القدس من قبل «وحدة للقوات الخاصة للشرطة»!
“العربية» لم تكتف بهذا الانحياز في التغطية. نقلت عن مدير «مستشفى شعاري تصيدق» حيث يعالج الحاخام يهودا غليك بأنّ «حالته خطيرة، لكن مستقرة» وهو «يخضع لجراحة بعد إصابته برصاصات في الصدر والبطن».
إذاً، لم يعن خبر إغلاق حرم المسجد الأقصى شيئاً للقناة. انصبّ همّها على الاطمئنان الى حال الصهيوني المصاب، والتأكد بأنّ مطلق النار «قد نال عقابه». هو ليس فقط تبنياً للسياسة الاستيطانية الصهيونية في تغيير المفاهيم والمصطلحات، بل هو نهج لمحو قضية شعب بل أمة بكاملها تمهّد له شيئاً فشيئاً القناة السعودية ومن دار في فلكها.