في غضون أسبوع واحد، اجتاحت حمّى «المخدرات الرقمية» لبنان. تقرير واحد بثّته قناة mtv (الخميس الماضي) كان كفيلاً بجعل الخطر «الوهمي» واقعاً متجسّداً. ورغم أنّه ليس هناك حالة واحدة «مثبتة» من الإدمان على هذا النوع من المخدرات، إلا أنَّ ذلك لم يمنع وزير العدل أشرف ريفي من إطلاق يد «القانون» الثقيلة باتجاه الأمر. طلب من النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود حجب المواقع الإلكترونية التي تروّج لهذا النوع من المخدّرات باعتبارها تشكّل «خطورة على الشباب وتهدّد الأمن الاجتماعي للبنانيين». لكن ما هي المخدرات الرقمية؟
هل هي فعلاً موجودة؟ وهل لها فعلاً تأثير حقيقي على الإنسان؟ تأتي المخدرات الرقمية (الاسم الأكثر دقة هوBinaural beats) على أساس أنّها نوع من الموجات الصوتية تحدث حين «يلعب» نمطان موسيقيان مختلفان معاً ضمن مقطوعةٍ واحدة. في المعتاد، لا يلاحظ المستمع الفرق على السماعات الكبيرة، لكن على سماعات الأذنين، فإن الأمر يختلف، إذ يُعزل كل نمط وحدَه ويطلق في إحدى الأذنين. تأتي هذه الأصوات من أنواع ثيتا وألفا وبيتا، وتسبّب وفق تقرير mtv إدماناً وردود فعلٍ مشابهة للمخدرات الحقيقية. كل ذلك قد يكون مقبولاً وواقعياً لو أضيفت إليه دراسة علمية مثبتة. لكن بطبيعة الحال، لم يستطع معدّ التقرير ذلك، والسبب أنه لم تجرِ أيّ دراسة دقيقة لتأثير هذا النوع من الموجات على العقل.
مخالفة قانونية
تهدّد حرية
الإنترنت
وبحسب جريدة «واشنطن بوست» (مقال نشرته عام 2010) فإنَّ موضوع تأثير هذه المخدرات وحقيقتها هو «موضع شكّ»، وفق ما أكد باحثون من «جامعة أوريغون للصحة والعلوم» أجروا دراسة على أربعة أشخاص ثبت أنّ لا تأثير لهذه الموسيقى (تسمّى I-doser) على العقل. وأشار رئيس كلية الطب في جامعة «ميامي ميلر الطبية» خوسيه زابونيك إلى أنّ من غير المنطقي أن يجعل مخدِّرٌ رقمي أحداً مدمناً له مثل إدمانه مخدّراً كيميائياً فعلياً وفق صحيفة «سياتل تايمز». خطوة ريفي أعقبتها ردود فعل من ناشطين وحقوقيين وجمعيات أهلية رفضت هذا القرار لأنه «مخالفة قانونية تهدّد حرية الإنترنت وتداول المعلومات في لبنان» وفق بيان أصدرته «مهارات». وأكّدت الأخيرة أنْ لا وجود لقانون يحظّر «مخدرات رقمية» في حال وجودها أصلاً. كذلك إنّ قراراً مماثلاً يحتاج إلى دراسات وعرض أمام لجان مختصة بعيداً عن أيّ تسرع. وأضاف التقرير أنّ «حجب أيّ موقع إلكتروني مناقض ومخالف لحرية الأفراد الذين يحق لهم مشاهدة ما يريدون من دون ضوابط أو رقابة، خصوصاً إذا كانت تلك المواقع لم يثبت عليها أيّ مخالفة صريحة ومباشرة للقوانين». أما «المنظّمة العربية للمعلوماتية والاتصالات» (إجمع) و»جمعية المعلوماتية المهنية في لبنان» و»التحالف العربي لحرية الإنترنت» و»التحالف اللبناني للإنترنت» فأوردت في بيان مشترك أنّ هذه القرارات لا تستند إلى أيّ آلية قانونية، وقد بدأت أساساً مع مواقع لعب الميسر والمواقع الإباحية. كذلك فإنها تتجه اليوم نحو مواقع يعتقد أنّها تقدّم «مخدرات رقمية» ولربما غداً تتجه إلى منع مواقع التواصل الاجتماعي ومثيلاتها.