صنعاء | يبدو أنه كُتب على الصحافيين اليمنيين أن يكونوا دوماً أوّل ضحايا أيّ تغيير سياسي جديد في بلادهم. ها هي القصص نفسها تتكرر مجدداً بعدما تمكّنت جماعة الحوثي وجماعة «أنصار الله» المسلّحة من اجتياح صنعاء ومدن أخرى منذ قرابة شهر، واستطاعت القبض على مفاصل إدارة الحياة هناك بعدما تعطّلت ماكينة الدولة.
مؤسسة «حرية للحقوق والحريات» اليمنية (منظّمة مستقلّة) تمكّنت من رصد نحو 52 حالة انتهاك بحقّ الإعلام المحلي والأجنبي خلال هذا الشهر. وأصدرت المؤسسة أخيراً تقريراً شمل تلك الانتهاكات التي طاولت مؤسسات إعلامية خاصة وحكومية وصحافيين من الجنسين. وأعلنت «حرية للحقوق والحريات» أنها تلقّت بلاغات بوقوع 52 حالة انتهاك تفاوتت بين الخطيرة والمتوسطة والبسيطة تعرّض لها 23 صحافياً وإعلامياً و19 مؤسسة إعلامية في صنعاء ومدينة إب (جنوب صنعاء). وأشار التقرير إلى تعرّض ثلاث فضائيات حكومية لـ
«قصف مدفعي شديد وحصار لطاقم العمل فيها واقتحامها والسيطرة عليها بالكامل بعد ثلاثة أيام من القصف المتواصل على مقرها». بعد ذلك، انتقل مسلّحون تابعين للجماعة نفسها واقتحموا مقرّ قناة «سهيل» الفضائية التي يملكها ملياردير منتمٍ إلى حزب «التجمّع اليمنيّ للإصلاح» (إخوان اليمن)، وهو الحزب الخصم لجماعة الحوثي. وكان الطرفان قد خاضا قبلاً مواجهات مسلحة بينهما. وقد تعرّضت «سهيل» لنهب أدواتها ومحاصرة العاملين فيها ليوم كامل داخل المقرّ، ثم السيطرة عليها وإيقاف بثها إلى اليوم. وفي مدينة إب، تعرّضت إذاعة «المدينة» الحكومية لقصف مدفعي ودُمرت مكاتبها جزئياً وتوقف بثها نهائياً.
رصد نحو 52 حالة انتهاك جرت
بحقّ الإعلام المحلي والأجنبي

على صعيد المحطات الإذاعية الخاصة، تعرضت إذاعة «حياة. إف. إم» لاقتحام من قبل مسلحين تابعين للحوثي ونهب بعض محتوياتها، ما أدّى إلى توقّف بثّها نهائياً. كذلك اقتُحمت مؤسسات إعلامية حكومية في صنعاء والسيطرة عليها، منها إذاعة «صنعاء» قبل تسليمها لإدارة الدولة، إضافة إلى وكالة «سبأ» الرسمية ومقر جريدة «26 سبتمبر» التابعة لوزارة الدفاع. واقتحم مسلّحون مقرّ المكتب الإعلامي للحزب الاشتراكي اليمني، إلا أن موقع «الاشتراكي نت» التابع للمكتب حذف خبر الاقتحام من صفحاته. وأشار إلى أنّ جماعة الحوثي و»أنصار الله» أكدا أنّ مَن اعتدى على أحد الصحافيين العاملين في الموقع واختطف أحدهم، هو عناصر مسلّحة غير تابعة للجان الشعبية المنضوية تحت سيطرتها، وتم تسليم تلك العناصر للجهات الأمنية للتحقيق معها. على مستوى المراسلين الأجانب، تعرّضت الصحافية في «بي. بي. سي» العربية صفاء الأحمد والطاقم المرافق لها للتوقيف من قبل مسلحين تابعين للجان الشعبية ومصادرة المواد الفيلمية التي صوّرتها في صنعاء. ورغم أنّ الصحافية استعادت كاميرتها بعد تدخّل قيادات في الجماعة، إلا أنها لم تنجح في استعادة قرص الذاكرة التابعة لها ويحوي المواد التي صوّرتها. وفي توقيت لاحق لصدور هذا التقرير، أعلنت مؤسسة «المصدر» الصحافية الخاصة في بيان لها أنّ مسلّحين يلاحقون رئيس تحريرها سمير جبران وناشدت السلطات بحماية حياته.
وتعقيباً على هذه الاعتداءات، غالباً ما يصدر نفي أو توضيح من قبل بعض قيادات الحوثي و»أنصار الله»، يؤكّد حرص الجماعة على «خلق علاقة ودّية مع الصحافيين». لكن لا يبدو أن هذا الشعور ينعكس عملياً على الأرض مع تواصل حدوث تلك الانتهاكات.