تنتهي شيرين (الصورة) من غناء «أنا كتير» التي تبثها إذاعة «الأغاني» ونسمعها داخل سيارة تاكسي تذهب بنا إلى منطقة وسط البلد في القاهرة. يتبع انتهاء الأغنية صوت مذيع يقول: «ألبوم شيرين «أنا كتير» (إنتاج «نجوم ريكوردز») حالياً في الأسواق». إشارة إلى بقاء هذا العمل الغنائي جديداً منذ صدوره مطلع العام الجاري.
تبدو علامات الابتهاج باديةً على وجه سائق التاكسي مع بدء أغنية أخرى من الألبوم نفسه. يتخذها فرصة ليكشف لنا عن علاقته العميقة مع صاحبة ذلك الصوت الذي يبدو له كفسحة وسط أزمة السير التي صارت خانقة في شوارع القاهرة والعيش فيها. يحكي السائق تفاصيل عن حياة صاحبة «عايزه أعيش» كأنها فرد من أفراد عائلته. «دي واحدة مننّا» يقولها في إشارة إلى انحدار المطربة السمراء من عمق طبقة وسطى لم تُعلن انفصالاً عنها ولا تزال مرتبطة بها. تبدو ملامح هذه الطبقة واضحة في طريقة تنفيذ مطربة «جرح تاني» لكليبها الوطني الأشهر «ماشربتش من نيلها»: صورة الفتاة مبتسمة بنزق مقبول داخل صالة بيت مصري تقليدي، تشارك نساء الحارة في صنع تجهيزات لاحتفالية عائلية مقبلة. صوت (وصورة) هذه المطربة الطالع من ثنايا العمل وتفاصيل حياة تلك الطبقة، كأنما يعيد تموضعه بداخل تلك الفئة الاجتماعية التي تكاد تختفي أو اختفت فعلاًً نتيجة حروب المال وازدياد سُعار أسماك القرش التي تشكّلت في زمن جمال مبارك وأحمد عز والحزب الوطني الذي كان حاكماً وحامياً لها. في سياق اقتصادي، يمكننا هنا استعادة عنوان البحث البارز الذي سجّله المفكّر المصري الراحل رمزي زكي «وداعاً للطبقة الوسطى».
تبدو مطربة
«مشاعر» مختلفة في عملها الجديد

بالتوازي، يبدو صوت شيرين هنا مثل لافتة عريضة تقول بأن تلك الطبقة ــ ولو عن طريق صوت غنائي ــ لا تزال تحاول البقاء في مواجهة حيتان الحياة وعصابات المال التي نجحت في تقسيم المصريين إلى فئتين: واحدة تقيم في شرم الشيخ والغردقة، في حين تتفرق الثانية على باقي مساحات البلاد الجغرافية.
على صعيد المستوى الفني وما حواه «أنا كتير»، تظهر شيرين مطربة «مشاعر» مختلفة، لكن داخل الإطار الذي اتخذته هوية شخصية لها. تقديم عناوين مبتكرة تأتي على هيئة اعترافات، لكن بصورة تليق بفتاة تنتمي إلى طبقتها. تعاونت مع عدد كبير ومتنوع من ملحنين وشعراء، بحيث لم يتجاوز اشتغال كل واحد منهم لأكثر من عملين في حجم الشغل الإجمالي تلحيناً أو كتابة. من هنا، قد يأتي سر التفاوت الإيجابي اللافت بين أغنية وأخرى في سياق الإنجاز بأكمله.
تغنيّ «كلّي ملكك» (لحن خالد عز وكلمات أمير طعيمة)، كما في «يا ليالي» (لنفس الثنائي لحناً وكلمات) حيث تستذكر تفاصيل ما كان لها في قصة ماضية، وتود لو تعود لتستقيم في حياتها ثانية. وبين فكرة الغرق في حب عاقل والبكاء بدموع عاقلة أيضاً، تغني شيرين نفسها ولها في «أنا كتير» (لحن حسن الشافعي وكلمات أحمد الحبشي) التي أعطت للألبوم عنوانها. يبدو اللحن هنا كأنما يتكلم ويقول مكمّلاًً فكرة شيرين عندما يصمت صوتها. لهذا، ظهرت الأغنية مكتملة بلا فراغات قد تستدرج سرحاناً في بال المتلقي. وعندما يعود الكلام، يأتي مواصلاًً وصفه لحالة شخصية هي «ألف حاجة على بعضها». يتم كل ذلك في مقطع غنائي مُبهر لا تتجاوز مدته الدقائق الست. وعلى هذا ومنه إجمالاً، يأتي سر البقاء الذي نجح العمل في صنعه على مستوى السوق ومدّه بالحياة تماماً، مثل تلك الطبقة الوسطى التي يكاد السوق نفسه أن يفترسها ويزيحها عن الواجهة، لكنها تقاوم ولو عن طريق صوت.