ما الذي تستفيد منه «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» السورية في إصرارها على إنجاز أعمال تلفزيونية لا تشاهد لأنها لا تسوق أصلاًً سوى لعدد قليل من محطات رسمية غير مشاهدة؟ وكيف يمكن تحصيل ملايين الليرات التي تدفع على الإنتاج سنوياً طالما أن الأعمال تقدم للفضائيات الحكومية مجاناً من دون ثمن؟ وكم سنة ستصمد المؤسسة في وجه المقاطعة المتعمدة من القنوات العربية؟ تطرح هذه الأسئلة عند بدء التحضير لكل موسم جديد.
لكن الإجابة لن تكون صعبة على المسؤولين في الجهة الحكومية الوحيدة المخولة بإنتاج الدراما في سوريا، طالما أنّ مسؤولية الدولة هي رعاية هذه الصناعة الرائجة عربياً ومواصلة دعمها، ولو كلف ذلك خسارات مادية متلاحقة مقابل توفير فرص العمل للخبرات الفنية التي اعتصمت داخل بلادها رافضة المغادرة كما فعل كثيرون.

وفق هذا المبدأ، أنهت المؤسسة تصوير مشاهد عملها الأول للموسم المقبل «شهر زمان» (كتابة وإخراج زهير قنوع)، ثم سرعان ما باشرت أخيراً في تصوير مسلسل «حارة المشارقة» (تأليف أيمن الدقر وإخراج ناجي طعمي) وبطولة: سلاف فواخرجي (الصورة)، وأسعد فضة، وعبد المنعم عمايري، وأيمن رضا، وسلمى المصري، وشكران مرتجى، ومحمد حداقي، وميلاد يوسف، ولينا حوارنة ومعتصم النهار. على أن تكون القصة مختلفة تقدَّم ضمن أسلوب يلامس المرحلة الملتهبة في سوريا من زاوية جديدة لم يتم التطرق إليها من قبل. هذا ما تفيد به على الأقل البطاقة التعريفية للعمل التي زودتنا بها الجهة المنتجة: المسلسل يطرح قضية هجرة العقول التي يتعرّض لها المجتمع السوري حالياً، وفق خطة ممنهجة عبر مكتب يوجد مقره في بيروت وتنحصر مهمته في التواصل مع عملاء في دمشق يقدمون له البيانات. هؤلاء العملاء يتواصلون بدورهم مع المتفوقين في الشهادات العلمية أو الكفاءات العملية الذين عادوا الى سوريا بعدما تفوقوا في جامعات ومؤسسات غربية متطورة. هكذا، يتم إغراقهم بالمغريات المالية والمعنوية الكافية لدفعهم إلى الهجرة خارج سوريا. وفي حال عدم موافقة أحد هؤلاء المتفوقين، يتم الانتقام منه بطريقة إجرامية. من جانب آخر، ستقوم تلك الجهات بتنفيذ خطة استغلالية بشعة تهدف إلى إصابة شريحة ثانية من النسيج السوري، لكن يبقى الهدف واحداً هو «إفراغ المجتمع من كفاءاته» حيث يسلط الضوء على إخراج كفاءات من أماكنها الوظيفية بحجة وصول أصحابها إلى سن التقاعد. هكذا، يتحول هؤلاء إلى مجموعة من الشخصيات المتقدمة في العمر تضيق بها السبل وتنعدم الوسائل الكفيلة بملء حياتها، فلا تجد سوى المقاهي والثرثرة الفارغة. وبين هؤلاء، يبرز محور يتمثل في الشخصية الرئيسية «سميحة» (تجسدها سلاف فواخرجي) التي غابت في الموسم الماضي لتعود من بوابة هذا العمل. تجسد النجمة السورية دور امرأة هي بمثابة صلة الوصل بين بيروت ودمشق. ويبدو واضحاً أن أنشطتها المشبوهة والخطيرة ترمي عرض الحائط بكل القيم الاجتماعية، مقابل المال وإشباع الدوافع الناتجة من الفراغ مع زوجها وفق العمل. كما أنّها تعاني من جشع مزمن يسيطر على شخصيتها وعقَد تدفعها إلى التفكير ملياً في الانتقام من المجتمع.