«ريو أحبك» الذي طرح أخيراً في الصالات اللبنانية يأتي على نمط «باريس أحبك» (2006) أو «نيويورك أحبك» (2009)، أي سلسلة من الأفلام القصيرة التي تدور في مدينة ريو دوجنيرو البرازيلية أخرجها عدد من السينمائيين المعروفين حول العالم أمثال الإيطالي باولو سورنتينو، والبرازيليين أندروشا وادينغتون وفرناندو ميريليس، والمكسيكي غيرليرمو أرياغا، بالإضافة إلى المخرجة اللبنانية نادين لبكي صاحبة «سكر بنات» و«وهلأ لوين؟».
«المعجزة» هو عنوان فيلم لبكي القصير في «ريو أحبك» الذي يروي قصة طفل مشرد في محطة قطار ينتظر اتصالاً هاتفياً من الله. هذه الفكرة المطروقة في الأدب والسينما، تنجح لبكي من خلال السيناريو الذي كتبته ـــ بالاشتراك مع رودني حداد وزوجها خالد مزنر ـــ في إخراجها من طابعها المجرد من خلال السرد والحوار الذي يمتاز بطرافته وبساطته الذكية في آن معاً. وما يشكّل إضافة إلى الشريط هو قوة حضور الممثل الأميركي الشهير هارفي كيتل الذي يلعب دور البطولة ممثلاً شخصيته الحقيقية في الشريط. يلتقي هو ونادين بالطفل المشرد في محطة قطار أثناء تصوير فيلم في البرازيل. بعد سماع قصته، يقرّر كيتل أن يتصل به، مدعياً أنّه الله بينما تضطر لبكي للعب دور العذراء، لكنها تتحدث معه بالإنكليزية لأنها لا تجيد البرتغالية، ما يثير استغراب الطفل ويرى فيه سبباً لخراب العالم. ثم ينصحهما بأخذ دروس في هذه اللغة في السماء في إحدى اللقطات التي تعبر عن سوريالية الحوار وطرافته. تروي لبكي أنها واجهت الكثير من المصاعب في البداية للوصول إلى جعل ممثل أميركي شهير يشارك في العمل لأنّ القصة تستدعي ذلك.
تميّز باولو سورنتينو الذي تناول علاقة زوجية بطريقة ساخرة
على الممثل أن يتمتع بالإمكانيات لإحضار كرة للطفل موقَّعة من اللاعب الشهير بيليه بعدما طلبها الطفل منه على الهاتف، معتقداً أنّه الله كما يفعل هارفي كيتل في الفيلم. لكن بعدما تمكّنت لبكي من خلال صديق مشترك من إرسال السيناريو إلى كيتل، وافق فوراً لأن قصة الفيلم أعجبته. ما هو لافت أيضاً في الشريط هو أداء الطفل البرازيلي كووا أنتونز (الطفل المشرد) الذي لا يملك خبرة سابقة في التمثيل، لكنه قدّم أداء مقنعاً للغاية بعفويته وطرافته. أما نادين لبكي فيبدو حضورها التمثيلي متواضعاً أمام هارفي كيتل وإن كان ذلك متناغماً مع الحبكة الروائية. من خلال بنائها لشخصيات الفيلم، من الواضح أنّها أسندت البطولة الأساسية لكيتل، ومنحت الشخصية التي تجسدها دوراً أكثر هامشية، حتى أنّها للطرافة تضعها محل سخرية من باقي الشخصيات كما الطفل الذي يصفها بأنها مجنونة. هذه نقطة مهمة تحسب للبكي أي قدرتها على الفصل بين دورها كمخرجة والشخصية التي تؤديها وتراها بعين نقدية. أما اللغة السينمائية، فهي تواكب السرد الروائي أكثر مما تضيف إليه بعداً آخر. من بقية الأفلام القصيرة التي يجمعها الشريط، يبرز فيلم باولو سورنتينو القصير «غروماري» الذي يروي العلاقة بين رجل عجوز (بيزيل هوفمان) وزوجته الشابة (إميلي مورتيمر) في إطار غير اعتيادي وساخر، خالقاً عبر المونتاج والتصوير لغة سينمائية موسيقية تعبر عن التناقض بين إيقاع حياة الاثنين الذي يعيش كل منهما كأنما ضمن معزوفة مختلفة. أسلوب يعيد إلى الأذهان تصويره للراهبة العجوز في «الجمال العظيم» وموهبته الاستثنائية في التعبير عبر الإيقاع السينمائي عن أكثر الأمور تعقيداً، كأنما نتوصّل إلى فهم الحياة كلها إذا ما رأيناها ضمن مقطوعات موسيقية. أيضاً من الأفلام الجميلة «دونا فولانا» للمخرج أندروشا وادينغتون الذي يروي قصة امرأة عجوز اختارت بملء إرادتها حياة التشرد. تلعب الممثلة فرناندا مونتنيغرو دور هذه العجوز، مقدمةً أداء بارعاً، فيما تأتي جمالية لغته السينمائية. وتطل الممثلة والمغنية الفرنسية فانيسا بارادي في الفيلم القصير «لما يرحل الحب» للمخرج جون تورتورو. رتابة سيناريو الفيلم وحتى لغته السينمائية لا يبددهما أداء بارادي الذي يبدو أيضاً متخشباً أمام الكاميرا ولا حتى غناؤها في آخر الفيلم. بغض النظر عن مستوى جماليته الموسيقية، يأتي مفاجئاً كأنّه منفصل تماماً عن الفيلم.

«ريو أحبك»: «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «سينما سيتي» (01/995195)




هكذا بدأت المغامرة

في فيلمها «المعجزة» يتجاور اسم نادين لبكي مع أسماء مخرجين عالميين من الذي شاركوا في «ريو أحبك» كالإيطالي باولو سورنتينو، والبرازيليين أندروشا وادينغتون وفرناندو ميريليس، والمكسيكي غيرليرمو أرياغا. بعدما كانت هذه الأسماء تشكّل مدارس بالنسبة إليها، تلقّت لبكي اتصالاً من منتجي الفيلم للمشاركة بوصفها المخرجة الوحيدة من الشرق الأوسط. وقد حدّد المنتجون بعض الشروط منها أن يصوّر الفيلم في ريو دوجنيرو وأن تقتصر مدّته على ثماني دقائق. بحثت نادين عن وجه معروف لتصوير فيلمها فوقع اختيارها على هارفي كيتل الذي وافق على المشاركة بعدما قرأ السيناريو الذي كتبته مع رودني الحداد وزوجها خالد مزنر، صاحب الفكرة.