يطلق «بيت الكتّاب الدولي» الذي أسسه الكاتب شريف مجدلاني عام 2012 أول لقاءاته الأدبية في بيروت. تحت عنوان «كتّاب بين ثقافتين»، يستضيف «البيت» لقاءات مع ستة كتّاب من 3 إلى 11 الجاري في «غاليري تانيت» (مار مخايل) و«الجامعة الأميركية في بيروت» (قاعة بطحيش) و«مكتبة السبيل» (الباشورة)، للحديث والنقاش حول الهجرة واللغة الأم انطلاقاً من أعمالهم. يخبرنا مجدلاني أنّ الفرق بين اللقاءات الكلاسيكية التي تنظمها معارض الكتب وبين لقاءات «بيت الكتاب الدولي» يكمن في «تجاوز معرض الكتاب بلغةٍ واحدة: الفرنكوفونية أو العربية». يشدّد الكاتب اللبناني على أن «هدفنا بالتحديد هو تعزيز حضور كتّاب يكتبون بلغات العالم كافة في بيروت من الصين وصربيا وكرواتيا والدنمارك وألبانيا... وأن يتواجدوا جميعاً للتحدث حول إشكاليةٍ محددة».
في سنتها الأولى، تشتمل اللغات المستضافة على الإنكليزية والفرنسية والإسبانية.
هكذا سنتابع لقاءات مع أدباء يكتب معظمهم بغير لغتهم الأم هم: الروائي اللبناني باللغة الإنكليزية راوي الحاج (3/10)، والكاتب الروماني بالفرنسية ماريوس دانيال بوبيسكو (10/10) والكاتبة المصرية بالإنكليزية أهداف سويف (9/10)، والكاتب المغربي بالفرنسية عبد الله الطايع (10/10)، والكاتب اللبناني الأرمني باللغة الإنكليزية فيكان بربريان (11/10) والكاتب الكولومبي سانتياغو غامبوا (11/10).

الأدب عالمي بالتأكيد، لكن الكاتب هو حتماً نتاج ــ بعيد أو قريب، مقصود أو غير مقصود ــ لمكان ولادته والبلاد التي يسكنها. أيتعلق الأمر بمواضيع كلاسيكية على صلة بالمنفى الداخلي الذي يشعر به الفنان إذاً؟ يجيبنا مجدلاني «بعض الروائيين يتناولون الهجرة والاغتراب والعلاقات بين ثقافة بلد المنشأ وبلد الاستقبال على غرار راوي الحاج، وبوبيسكو وبربريان. أمّا أعمال الطايع، فتعكس «مشاكل المجتمع المرتبطة بالقمع الاجتماعي والعائلي وكره المثليين». ويشير مجدلاني إلى أن «ما يثير الاهتمام هو أن الطايع ينتقد بالفرنسية المجتمع الناطق بالعربية في المغرب». وتشكل الناحية اللغوية جزءاً من التساؤلات حول الهوية. ويحذر مجدلاني هنا: «ليست كل الأمور جميلة وسامية، فتلاقي الثقافات والحضارات غالباً ما يتسم بالإشكالية».
قد نستغرب أن نرى في لائحة المؤلفين الضيوف اسم الكاتب الكولومبي سانتياغو غامبوا الذي لا تتناول رواياته موضوع اللقاء. غير أنه مؤلّف كثير الأسفار ومنفتح على العالم، وهذا ما نلمسه في مؤلفاته. وعندما يتطرق إلى مشاكل المخدرات والفساد والدعارة، فهو لا يقصد بوغوتا فحسب، بل يتناول أيضاً بانكوك ونيودلهي وطوكيو وطهران. أما العلاقة باللغة، فمثيرة للاهتمام في مسيرة ماريوس دانيال بوبيسكو وفيكان بربريان. بوبيسكو الكاتب الروماني المقيم في سويسرا كان يكتب أولاًً باللغة الرومانية قبل أن «يعتنق» الفرنكوفونية. أما بربريان أو «مثال الكاتب بين ثقافتين بحد ذاته» كما يصف نفسه شخصياً، فيكتب بالإنكليزية في أميركا التي هاجر إليها، رغم أنه متأثر بثقافات مختلفة ولغات متعددة نظراً إلى أصوله الأرمنية وولادته في بيروت، العاصمة المتعددة اللغات. يوّلد هذا الانفتاح على العالم الخارجي تبادلاً يحمل مشاريع وحكايات تنشأ بين البلدان.
إن اللقاءات ذات الأبعاد العالمية والدولية في آن إنما تعكس أيضاً التاريخ الجمعي والفردي على حد سواء. كما أنّ هذه اللقاءات التي تتناول أعمال الكتّاب بمجملها، سوف تسمح على هامش المواضيع المطروحة باستخلاص التساؤلات المرتبطة بالتاريخ الفردي الخاص بكل مؤلّف. أعمال أهداف سويف تعبر عن تاريخ مصر في القرن العشرين من خلال قصة ملحمية عائلية مدهشة، كما تتناول أحدث أخبار الساعة وحركات الاحتجاج هناك. أما أعمال راوي الحاج، فتحمل فساد بيروت إلى شوارع مونتريال، أي الثقافة الأخرى، وتظهر، من ناحية أخرى، تمزق البطل كما نرى في روايته «الصرصور» حيث يعاني الراوي من الهلوسة والهذيان غداة خروجه من مستشفى للأمراض العقلية والنفسية. وتحاول معالجته النفسية أن تدفعه إلى الحديث عن عذابه وحياته وعمّا استطاع أن يحمله في جسده، كما نتكهن بذلك، من الحرب في لبنان، والسلاح والفساد والعنف.
لقد جاءت الدعوة التي وجهت إلى المؤلف الكولومبي سانتياغو غامبوا ثمرة تبادل جرى في فرنسا وبالتحديد في مدينة سانت نازير حيث تعقد لقاءات مماثلة ينظمها الكاتب الفرنسي باتريك ديفيل. ويتم تسليط الضوء فيها هذه السنة على مدينتين: بيروت وبوغوتا. وفي هذه المناسبة، سوف تصدر مجموعة مختارات (أنطولوجيا) من الأدب اللبناني جمعها وقدم لها شريف مجدلاني ضمن كتاب يضم أيضاً مختارات من الأدب الكولومبي.

«كتّاب بين ثقافتين»: من 3 حتى 11 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ «مكتبة السبيل»، و«غاليري تانيت» و AUB.