لم تكن معلولا يوماً شأناً عابراً في السيرورة البشرية، ولا يُمكن لها أن تكون. هي علامة فارقة في كلّ تقلّباتها. كانت كذلك في الروايات التي أحالت نشأتها على معجزة سماوية أنقذت القديسة تقلا، وظلّت هكذا حين دفعت حصّتها من الوجع على درب الآلام السوري الطويل. مسكونة بهذه التفاصيل، تحاول الزميلة رشا أبي حيدر أن تروي للمشاهد فصلاً من فصول الجحيم السوري عبر وثائقي «معلولا القيامة». وثائقي توضح الصحافية اللبنانية أنّه «يحاكي ما اقترفه التكفيريون عند دخولهم بلدة معلولا، وخلال فترة خضوعها لسيطرتهم». مُعدّة الوثائقي ومخرجته تؤكّد أنّ فكرة صناعته وُلِدَت أثناء زيارتها إلى البلدة في إطار مهمة صحافية إبّان استعادة الجيش السوري السيطرة عليها: «لم نذهب بغية الاشتغال على فيلم وثائقي، بل في إطار عملنا الصحافي. لكن بعدما اطّلعنا على ما لحق بالكنائس من تخريب، مثل قطع رأس تمثال السيدة العذراء، وما شابه، لمسنا الحاجة المُلحّة إلى توثيق ما حدث».

لكن لماذا معلولا من دون سواها من المناطق المنكوبة على امتداد الجغرافيا السورية؟ تجيب أبي حيدر إنه «كثيراً ما سمعنا وشاهدنا بعض ما ارتكبته الجماعات التكفيرية في عدد من المدن السورية، لكن الظروف لم تُتح لنا أن نكون هناك، الأمر الذي أتيح لنا في معلولا. أضف إلى ذلك أن للبلدة التاريخية خصوصية تجعلها فريدة عالمياً، لا سورياً فحسب».
ووفقاً لصُنّاعه، يأخذ الوثائقي على عاتقه الوقوف عند محطات بارزة، ومؤلمة من مأساة البلدة. فيروي على سبيل المثال «قصة ثلاثة شبان طُلب منهم أن يُشهروا إسلامهم أو يُقتلوا، فاختاروا البقاء على دينهم، ليتم قتلهم. ويتشارك في سفك دمهم مسلحون غرباء، وآخرون من أهالي البلدة».
كما يعرض حالة أُخرى لمّا تزل مفاعيلُها قائمة، إذ «ما زال ستة من أبناء البلدة مخطوفين، وهم على قيد الحياة. وأهالي معلولا ما زالوا مصرّين على عودة المخطوفين كحق وشرط أساسي للمصالحة فيما بينهم، إضافة إلى استعادة الأيقونات التي سرقها المسلحون».
توضح أبي حيدر أنّ تصوير الوثائقي استغرق ما يزيد عن شهر ونصف الشهر، وتطلَّب القيام بزيارات عدّة إلى البلدة، ليدخل بعدها مرحلة العمليات الفنيّة التي استغرقت بدورها حوالى ضعف المدّة. كذلك تشير إلى أنّ الفيلم «يتضمّن مشاهد حصرية صُوّرت خلال العمليات العسكرية التي ساهمت باستعادة الجيش السوري للبلدة.
يتضمّن مشاهد حصرية خلال
العمليات العسكرية التي أسهمت
في استعادة البلدة


إذ لا يمكن الحديث عن معلولا من دون الحديث عن معركة تحريرها، خصوصاً أنها تقع في القلمون (شمال دمشق). لذلك مررنا بأهم المناطق التي كانت أساسية في انهيار المسلحين في يبرود ورنكوس وتلال الصرخة، وصولاً إلى البلدة التاريخية»، مضيفةً: «سنعرض مشاهد حصرية للجيش السوري و«حزب الله» في جميع هذه المناطق علاوةً على شهادات حية لعدد من أبناء البلدة، الذين كانوا شهوداً، وضحايا لما وقع فيها».
الاسكتلندي جون غريرسون (1898 ــ 1972) أحد روّاد صناعة الفيلم الوثائقي، يُعرّف هذا النوع من الشرائط بأنّه «معالجة خلاقة للواقع».
ثمّة خيط رفيع يفصل بين هذا المفهوم، وبين تحوّله إلى محاولة لإعادة خلق واقع. يتطلّب الأمر قدراً كبيراً من المهنيّة والموضوعيّة، ما يبدو مهمّة شاقّة في شأنٍ وصل فيه الاستقطاب السياسي إلى الذروة، كالشأن السوري.
يغدو التساؤل عن مكان «معلولا القيامة» من هذه المعادلة أمراً مشروعاً، ولتبقى الإجابة رهناً بالمشاهدةَ.

■ «معلولا القيامة»: الليلة 21:00 على «الميادين»، فكرة وإعداد وإخراج رشا أبي حيدر (مخرج منفذ ومدير تصوير علي سلمان ــ إنتاج «الميادين»)





شهداء الصحافة

بعيد إعلان الجيش السوري إنهاء معركة تحريره منطقة القلمون بالكامل في منتصف نيسان (أبريل) الماضي، استشهد فريق إعلامي تابع لقناة المنار» يضم المراسل حمزة الحاج حسن والمصوّر محمد منتش والتقني وحليم علوه، بعد تعرّضهم لرصاص المسلحين أثناء تغطيتهم استعادة الجيش السوري لبلدة معلولا في جبال القلمون السورية. وفيما اتهمت بعض وسائل الإعلام النظام السوري بارتكاب الجريمة، حصلت «الأخبار» وقتها على معلومات من التحقيق الذي باشرت به الجهات المعنية في المقاومة تحقيقاتها، تؤكد مسؤولية المجموعات المسلحة عن هذه الجريمة.