مع زيادة نشاط «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في الشرق الأوسط، يعيش الإعلام الأجنبي في الفترة الأخيرة ما يشبه «الهوس» بهذا التنظيم الإرهابي. هذه الحالة تجسّدت في المقال الذي نشره الباحث والأستاذ الجامعي البريطاني سايمون كوتي (راجع الكادر) على الموقع الإلكتروني لمجلة الـ«أتلانتيك» الأميركية الشهرية. تطرّق كوتي إلى جوانب مختلفة من أداء «داعش» على صعيد الإعلام والرأي العام، تتعلّق بما سماه «البورنوغرافيا في الجهاد». العبارة صادمة بلا شك، لكن من يغوص في تفاصيل المقالة المنشورة يوم الجمعة الماضي يكتشف أنّ للرجل وجهة نظر جديرة بالإهتمام.
انطلق سايمون كوتي من الكتاب الذي نشره الأكاديمي والمؤرّخ البريطاني مايكل بورليغ (1955) عام 2008 وحمل عنوان Blood and Rage: A Cultural History of Terrorism (الدم والغضب: التاريخ الثقافي للإرهاب). بعيداً عن مساواة بورليغ في إصداره بين العمليات الاستشهادية وتلك الانتحارية والارهابية، يمكن تطبيق ما قاله على ما يقوم به «داعش» في العراق وسوريا اليوم.
يرى كوتي أنّ فيديوات «الدولة الإسلامية»، وخصوصاً تلك التي أظهرت عملية إعدام الصحافيَين الأميركيَين جايمس فولي وستفين سوتلوف (نُشر المقال قبل إعدام الرهينة البريطاني دايفيد هينز)، تتمتع بخصائص مشابهة لأفلام البورنو: إنّها بدائية، وصادمة، ومُبرّرة. كما أنّها كمعظم شرائط البورنو في هذه الأيّام، أصحبت مباحة بكبسة زرّ.
في معرض مقاله، تناول الباحث البريطاني الكمية الكبيرة من «الأشرطة الإباحية التي وجدت في مقرّ الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن» بعد قتله على أيدي القوات الأميركية في أيّار (مايو) 2011، وأخرى وُجدت على «الكومبيوترات الخاصة بالكثير من الإرهابيين الذين اعتقلوا أو قتلوا» تحدّثت عنها الأستاذة في جامعة «جورج تاون» الأميركية سي. كريستين فير على صفحتها الفايسبوكية الخاصة. من هنا، انطلق كوتي للحديث عن استعانة هؤلاء الأشخاص بطريقة إنجاز أفلام البورنو لإيصال رسائلهم. كما أنّ أشرطة بروباغاندا الإرهاب أيضاً تطوّرت مع مرور الزمن.

تطبّق «الدولة
الإسلامية» أسلوبي القصة والغرونزو في شرائطها


عام 2001، فرّق الروائي البريطاني مارتين أميس في إحدى مقالاته عن صناعة البورنوغرافيا في الولايات المتحدة بين أسلوبين في إعداد الأفلام هما: غرونزو والقصة (feature). الأوّل لا يبرّر الحدث، بل يصوّره كما هو في وقت قصير نسبياً، بينما يعرض الثاني الأسباب التي أدّت إلى الفعل والظروف الذي سبقته. الأمر بالنسبة إلى سايمون كوتي ينطبق على الفيديوات التي توثّق العمليات الإرهابية وتحديداً تلك التي تحمل توقيع «داعش»، إلا أنّ العنصر المختلف هو استبدال ممارسة الجنس بالعنف.
برأي الأكاديمي البريطاني، ترجع أصول الشرائط التي تعتمد أسلوب القصة إلى العمليات التي صوّرتها المقاومة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يشتهر أسلوب الغرونزو منذ 2003 مع بدء الغزو الأميركي للعراق وحتى اليوم.
تتسم هذه الشرائط بقصر المدّة (بضعها لا يتعدى الـ 12 ثانية)، وبالميزانية الضئيلة التي تفرض استخدام كاميرا واحدة مثلاً.
عندما تم الهجوم على القوات الأميركية والعراقية في بلاد الرافدين، لم تهتم الفيديوات بتصوير الأسباب التي أدّت إليها بل بحجم الدمار الذي أحدثته. ويخلص الكاتب في هذا السياق إلى أنّ هذه المقاطع المصوّرة تعدّ لبلوغ أكبر قدر ممكن من الناس ذوي الاهتمامات المحددة، تماماً كما في الأفلام الإباحية، مضيفاً إنّها تهدف إلى التأثير في المقاتلين على الأرض و«الجنود المحتملين».
بعدها، يذهب سايمون كوتي نحو التأكيد إلى أنّ فيديوات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تجمع بين أسلوبي القصة والغرونزو، مشيراً إلى أنّ أبرز مثال على ذلك هو شريطا ذبح جايمس فولي وستفين سوتلوف، حيث أعطى الجاني لمحة سريعة عن الأسباب التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة لينتقل بعدها إلى تصوير فعله. كل ذلك ضمن ما وصفه كتابTerror in the Mind of God: The Global Rise of Religous Violence لمارك يويرجينسمييربالـ «العنف الأدائي» (performance violence). وفيما لفت كوتي إلى أنّ رائد الغرونزو في الفيديوات «الجهادية» هو الزعيم السابق لـ«القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي، شدد على أنّ العنصر الجديد في شرائط «داعش» أخيراً لم يعد العنف فحسب، بل يركّز على الإذلال!
في النهاية، أكد كوتي أنّه عندما قال الخبير في الإرهاب العالمي براين أم. جينكينز قبل أربعين عاماً إن «الإرهاب هو مسرح»، لم يكن يدرك أنّنا سنصل إلى يوم يصبح فيه نشر «صور الإرهاب» بهذه السرعة والسهولة، مستعيراً تقنيات من مجالات أخرى بعيدة عنه تماماً.



سايمون كوتي

سايمون كوتي هو باحث وأستاذ محاضر بريطاني حاصل على شهادة دكتوراه في علم الجريمة من جامعة «كيلي» البريطانية، وتلقى تعليمه الجامعي في جامعة «كامبريدج» و«كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية» (LSE). عُيّن كوتي عام 2013 محاضراً في علم الجريمة في جامعة «كنت»، وقبل ذلك عمل في كلية العلوم الإجتماعية في جامعة «بانغور» في ويلز، بعدما انتقل إليها من جامعة «وست إنديز» في ترينيداد وتوباغو. في رصيد كوتي كتاب واحد بعنوانThe Apostates: When Muslims Leave Islam (المرتدون: عندما يترك المسلمون الإسلام)، إضافة إلى عشرات المقالات، فضلاً عن مشاركته في تحرير كتب عدّة. على صعيد الأبحاث، أنجز كوتي أخيراً بحثاً مموّلاً من قبل «مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية» البريطاني تحت عنوان «المرتدون» (2011 ــ 2013).