فيلم «سيدة البنك» للمخرج الألماني كريستيان ألفرت (1974) هو المحطّة الأولى في المهرجان عند الثامنة من مساء الخميس 18 أيلول (سبتمبر). يتناول الشريط قصة جيزيلا فيرلر المذهلة، أول امرأة سارقة بنوك في ألمانيا خلال الستينيات. بعدما اشتهر في ألمانيا بفيلمه «أجسام مضادة» (2005)، وفي هوليوود بـ«القضية 69» (2009)، يمزج ألفرت في «سيدة البنك» ببراعة بين التشويق والدرامي في لغة سينمائية مبتكرة ليحيط بهذه القصة من زواياها النفسية والاجتماعية وجانبها البوليسي.
هكذا، يجعل جيزيلا بطلة استثنائية تثورعلى الفقر وروتين الحياة والدور المنوط بها كامرأة في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. تعمل جيزيلا (نادشدا برنيكه) الثلاثينية في مصنع للأغلفة وتعيش مع والدها المصاب بإعاقة جسدية. تحت هذا الواقع، تحلم في سرها بحياة أخرى بين البوسترات وصفحات المجلات التي ترى من خلالها المرأة التي تود أن تكونها. التناقض بين القشرة الخارجية لشخصية جيزيلا الصامتة والانعزالية في الظاهر، وعالمها الداخلي الشغوف، يجسده المخرج عبر اللقطات التفصيلية المبتكرة في الزوايا التي تعكس غموض الشخصية. كذلك يقطع سلاسة السرد السينمائي بطريقة فجائية، ليأخذنا إلى عالم الحلم عبر الجمالية الذي يضعها في تفاصيل حياة جيزيلا اليومية. نرى مثلاً البخار المتصاعد من المصنع أو الأغلفة الجميلة التي تطبعها كأنها ترمز إلى جلد الشخصية الأخرى التي تود تقمصها.
كذلك تتابع اللغة السينمائية تطور جيزيلا، وتحوّلها إلى البطلة سارقة البنوك. في مشاهد البداية، يصور لنا تفكك عالم الشخصية واضطرابها عبر الكاميرا المتحركة أو المحمولة، بينما يتّجه المخرج في بعض المقاطع نحو الكاميرا الثابتة ليعبّر عن القوة التي تكتسبها الشخصية تدريجاً. تعبّر الممثلة نادشدا برنيكه الحائزة جائزة أفضل ممثلة عن دور جيزيلا في «مهرجان شيكاغو»، ببراعة عن تناقض الشخصية بين الهشاشة والقوة. تعثر جيزيلا على حقيبة بالصدفة، تعرّفها إلى هيرمان (شارلي هوبنر) سارق البنوك. تتشبث به وتلاحقه كأنه البطل الخارق الذي ظهر فجأة لينقذها من روتين حياتها الخانقة. وبعد جهد، تثبت جيزيلا لهيرمان قدرتها على تنفيذ عملية السرقة، وتنجح في إقناعه بأن تصبح شريكته، ويبدآن العمل معاً. إلا أنه فيما ينظر هيرمان إلى علاقتهما على أنها شراكة عمل، تغرم جيزيلا به وبدور سارقة البنوك التي تؤديه إلى حد أنّها تسعى عن غير قصد إلى كشف نفسها للشرطة. ما يميّز الشريط عن أفلام التشويق، هو كيفية تصوير المخرج لتحول جيزيلا إلى شخصية «سيدة البنوك». يركّز على تفصيل صغير كباروكة الشعر القادرة على تحويل فتاة المصنع من امرأة غير مرئية إلى بطلة، عبر المساحة بين الواقع والوهم التي تسمح لها الباروكة بعبورها أو المساحة بين الحياة والسينما بمعنى آخر. أما هيرمان المتشبث بالواقع، فيقاوم منذ البداية ويرفض الدور الذي تفرضه جيزيلا عليه كشريكها في هذه المغامرة، وفي ثورتها على ذاتها وعلى الواقع، إلى أن يرضخ أخيراً لسحرها أو لسحر السينما.