القاهرة | يبدو أنّ مسيرة «الفن ميدان» تقترب من النهاية بعد تعرض الاحتفالية للإلغاء للمرة الثانية على التوالي، بحجة الظروف الأمنية غير المواتية، في مؤشر جديد على تراجع الحريات الثقافية في مصر خلال الفترة الأخيرة. عشية الاحتفالية أول من أمس السبت، فوجئ منظمو «الفن ميدان» بعدم منحهم التصاريح الأمنية اللازمة لإقامة الفعاليات المؤجلة من الأسبوع الماضي.
ورفض قسم شرطة عابدين (وسط القاهرة) استخراج التصاريح بحجة الظروف الأمنية التي تشهدها البلاد، والتخوف من عودة الباعة الجوالين إلى وسط البلد خلال الاحتفالية، بعد الحملات التي شنتها السلطة لطردهم. من جهة أخرى، رفض مسؤولو الفعالية التضييق الأمني على فعاليتهم الفنية والثقافية واضطرارهم لإلغاء الاحتفالية قبل ساعات من موعدها، واصفين الحادث بـ «حلقة جديدة في مسلسل التضييق على حرية التعبير ورفض النظام الحالي للنقد والمعارضة».

إلغاء الفعاليات
للسنة الثانية
على التوالي

وكان مسؤولو «الفن ميدان» قد اضطروا الشهر الماضي لإلغاء الفعاليات التي كانت مقررة في الثاني من آب (أغسطس) بسبب تعنت قوات الأمن في فتح الميدان (مقر الاحتفالية) بحجة نيل القائمين على الحدث موافقة ديوان محافظة القاهرة لا الجهات الأمنية. أما الأخيرة، فقد بررت إلغاء الفعاليات بالظرف الأمني المترتّب على حادث «الفرافرة» (جنوب غربي البلاد) الذي راح ضحيته 23 ضابطاً وجندياً. وأوضح أحد منظمي الفعالية الناشط الثقافي طه عبد المنعم لـ «الأخبار» أنّه تستحيل إقامة الفعالية من دون تصاريح بسبب رفض عمال الفِراشة والمعدات الكهربائية العمل ضد رغبة المؤسسة الأمنية، والخطورة في الخروج على قانون التظاهر والتجمهر الذي يعاقب المخالفين بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وهو ما لا تستطيع إدارة الفعالية تحمّله حال حدوثه.
وكانت الاحتفالية قد انطلقت عقب اندلاع «ثورة يناير»، لتقام السبت الأول من كلّ شهر في ميادين المحافظات في مختلف المناطق المصرية. لكن في الآونة الأخيرة، تقلّص عدد الميادين المشاركة بسبب تراجع ميزانية الفعالية التي تعتمد أساساً على التبرعات والجهود الذاتية. كما اضطرت الفعالية للتوقف والإرجاء والإلغاء مراراً خلال الأعوام الماضية، أبرزها خلال فترة فرض حظر التجوال العام الماضي. في هذا الإطار، صرّح وزير الثقافة المصري جابر عصفور بأنّ وزير الداخلية أكد له أنّ سبب إلغاء الحفل يرجع إلى دواع أمنية، وأنه سيستمر في المرات المقبلة بشكل طبيعي، مضيفاً «اعتبروا «الفن ميدان» في أجازة المرة دي».
ويأتي إلغاء «الفن ميدان» كمؤشر دال على تردي الحالة الثقافية في مصر، وتوغل القوى الأمنية في مختلف المؤسسات، منها وزارة الثقافة. علماً أنّ عصفور أصدر في نهاية الشهر الماضي قراراً بتعيين اللواء حسن خلاف رئيساً لقطاع مكتب وزير الثقافة، كما تعج أروقة مؤسسات وهيئات الوزارة المختلفة بعدد من القيادات العسكرية! في المقابل، تمكن قراءة حجة «الظروف الأمنية» في ضوء الهجمة الرسمية ضد الثقافة المستقلة في ظلّ تراجع المؤسسات الرسمية عن دورها، وهو ما يطرح علامات استفهام حول سلطة تلوك عبارات «الحرب على الإرهاب» و«مكافحة التطرف» فيما تمنع الأنشطة الثقافية، وتسجن المبدعين والكتاب مثل الروائي والشاعر عمر حاذق الذي حكم عليه بالحبس سنتين بتهمة التظاهر، والقاص كرم صابر (حكم عليه بالسجن المشدد 5 أعوام بتهمة ازدراء الأديان)، وتصادر المؤلفات التنويرية مثلما حدث الأسبوع الماضي.