فيلم «الصيد» (1966) الذي سيفتتح الليلة تظاهرة «ساورا أو الرواية الراقصة» في نسخته المستعادة والمرممة هو أحد أوائل أفلام المخرج الإسباني الذي حاز عنه جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج في «مهرجان برلين السينمائي» من قبل لجنة التحكيم التي كان يرأسها يومها المخرج والكاتب بيار باولو بازوليني.
«الصيد» هو أيضاً أحد الأفلام التي كرّست التوجه السياسي لكارلوس ساورا كمخرج عبر البورتريه القاسي الذي يقدمه الفيلم عن النظام الاجتماعي، في ظل ديكتاتورية فرانكو. في هذا الفيلم، كما في أعماله اللاحقة كـ«حديقة الملذات» (1970) أو «آنا والذئاب» (1973)، ينتقد ساورا الطبقة البورجوازية الإسبانية، مبرزاً ازدواجيتها والديكتاتورية الوحشية والبدائية المتخفية وراء قناع التحضر والتمدن بعدما تناولت أفلامه السابقة الفئات الأكثر تهميشاً من المجتمع. في سرده السينمائي، يلعب ساورا على التناقض بين الحبكة الروائية واللغة السينمائية التي تروي كل منهما حكاية مختلفة. كأنّ هناك فيلمين قيد الحدوث في الوقت عينه: الفيلم الظاهري الذي يروي رحلة الصيد الاعتيادية وحتى السعيدة من خلال حوار الشخصيات وتفاعلها مع بعضها البعض، وفيلم آخر أكثر سوداوية ودموية يحضّرنا له المخرج من خلال اللغة السينمائية. المذهل أكثر هو الطريقة المستترة التي يعبّر فيها المخرج عن وجهة نظره من دون أن يفرضها على الأحداث. من خلال الصورة فقط، وبنية المشاهد البصرية المهندسة بحرفية والتفاصيل التي يرصدها بعناية، يحول ساورا فعل الصيد إلى استعارة للديكتاتورية والفاشية المتأصلة جذورها في الإنسان التي تحفزها العودة إلى هذا المكان البدائي. من مشاهد الأرانب المتقافزة والمذعورة التي تركض في كل مكان هرباً من البنادق الموجهة إليها، والكلب الذي يحصد الضحايا ويسلم الجثث إلى صاحبه، إلى عمليات سلخ جلد الحيوانات، يصوّر لنا ساورا كل ذلك بطريقة ميكانيكية تخلو من التراجيديا، ما يعزّز قسوة المشاهد المتناولة. براعة ساورا أيضاً تكمن في الإيقاع الموسيقي الذي يخلقه عبر الصورة والمونتاج. من خلالهما، يعبر عن التصادم بين إيقاعين مختلفين. إيقاع الطبيعة الساكن، وإيقاع الإنسان الأكثر عنفاً الذي لا يحتمل كل هذا الهدوء ولا يرتاح قبل أن يحطم سكينتها الأصلية. وأكثر ما يعبر عن ذلك الإيقاع هو صوت النسناس في القفص الذي نراه في البداية. كأنما يعبر عن صوت الطبيعة المذعورة، ثم مشهد الرجال حين يترجلون من السيارة في خطى منتظمة أشبه بالمشي العسكري. من المشاهد الرائعة سينمائياً في إيقاعها والتفاصيل المعبرة التي ترصدها، هو عندما يُرسل النسناس والجرس مربوط حول عنقه إلى الجحر ليخيف الأرانب. يصوّر لنا المخرج المطاردة التي تحدث داخل متاهة الجحر الضيق تحت الأرض، ورعب الأرانب المحاصرة. ما ينجح فيه فعلياً ساورا في إطار يخلو من الكليشيه أو التبسيط هو أنسنة الحيوانات التي يتماهى المشاهد معها أكثر من البشر. من ناحية أخرى، هناك شاعرية تجريبية وحساسية سينمائية عالية نراها في المشاهد التي يجسّد فيها ساورا التفاعل الحسي للرجال مع الطبيعة كالجلد الذي يتعرق تحت الشمس ضمن لقطات تفصيلية تجسّد كأنما ذوبان القشرة الخارجية للشخصيات. يروى أنّ لويس بونويل الذي كان ساورا شديد التأثر به ووعده بإهدائه أحد أفلامه، تمنى لو أنّ ساورا أهداه فيلم «الصيد» بعد مشاهدته. إلا أنه بعد وقت طويل، سيهديه ساورا فيلماً آخر له هو «بونويل وطاولة الملك سليمان» الذي صدر عام 2001 بعد وفاة السينمائي السريالي.