قبل أربع سنوات من نشوب الحرب الأهليّة في إسبانيا، ولد كارلوس ساورا (1932) في مقاطعة أراغون التي انحدر منها لويس بونويل وغويا. الأم كانت عازفة بيانو، فعشق الولد الموسيقى مبكراً. أخوه أنطونيو رسام أسهم في تكوين ذائقته البصريّة، وشجّعه على التعلّق بالفنون. هذا التشرّب المبكر ظهر في سينماه لاحقاً، فموسيقى الفلامنكو والتراث الإسباني والأغاني الشعبية شغلت مساحة دائمة في أفلامه.
الفن التشكيلي لازمه أيضاً في صناعة الصورة وانتقاء الموضوعات. غويا كان حاضراً بقوّة في الفيلموغرافيا الخاصّة به، حتى إنه حقق فيلماً بيوغرافياً عنه بعنوان «غويا في بوردو» (1999). هذا الشريط سنشاهده في برمجة تظاهرة «ساورا أو الرواية الراقصة» التي تستمرّ حتى 10 أيلول (سبتمبر) في «متروبوليس أمبير صوفيل» (بالتعاون مع «معهد ثربانتس» والسفارة الاسبانية في لبنان و«الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي والتنمية»، و«المعهد السينمائي والفنون السمعية البصرية») مع ستة أفلام أخرى أنجزها السينمائي الاسباني (راجع الصفحة المقابلة).
كان ساورا المراهق لافتاً في التصوير وتطويع الكاميرا. في مطلع الخمسينيّات، استعمل كاميرا 16 ملم لتحقيق محاولاته الأولى في الفيديو. انتقل إلى مدريد لدراسة الهندسة، فلم يصمد طويلاً. التحق بـ «معهد التصوير السينمائي والأبحاث»، وأضاف الصحافة إلى تحصيله العلمي. في عام 1957، تخرّج ساورا من معهد السينما بفيلم قصير هو «بعد ظهر يوم الأحد» (32 دقيقة) عن رواية لفرناندو كاسترو، وظلّ يدرّس في المعهد نفسه حتى عام 1963 حين أبعد لأسباب سياسيّة. بطبيعة الحال، زاد ذلك من عدائه للنظام الفاشي، فهاجمه بضراوة في أفلامه. استتر بمواربات اجتماعية تحوّلت إلى هجوم مباشر بعد موت فرانكو. أثناء الدراسة، تعرّف ساورا إلى عدد من الواقعيين الإيطاليين فتأثّر بهم. حمل الكاميرا إلى أزقة مدريد وأحيائها الفقيرة، واعتمد على غير المحترفين في تحقيق «الجانحون» (1960). كانت محاولة لصنع واقعية إسبانية جديدة لم تلقَ نجاحاً جماهيرياً.
كارلوس ساورا هو الوريث الحقيقي للمعلّم الإسباني لويس بونويل (1900 – 1983). تأثّر به، وخصوصاً في البدايات، وأهداه فيلم «شراب النعناع المثلّج» (1967)، ثمّ صنع عنه فيلم «بونويل وطاولة الملك سليمان» (2001) مع التشكيلي سلفادور دالي، والشاعر فدريكو غارسيا لوركا. على الرغم من ذلك، لا يعدّ ساورا نفسه «أحد حواريي» عرّاب السينما السريالية. الدليل هو ابتعاده نحو عوالم مغايرة في مسيرته لاحقاً. كان صلة الوصل بين الجيل القديم في السينما الإسبانيّة، وبين جيل حركة «الموفيدا» التي يمثّل بيدرو ألمودوفار (1949) أهم أسمائها.
الإيطالي بازوليني أعجب باشتغال ساورا وشراسة كاميراه في «الصيد» (1966) الذي نشاهده الليلة ضمن تظاهرة «متروبوليس»، فمنحه الدب الفضي لأفضل مخرج في «البرليناله»، إذ كان رئيساً للجنة التحكيم. هكذا، تتابعت الجوائز المحلية والدولية على معظم أفلامه التالية، مؤمّناً نشاطاً دولياً للسينما الإسبانية القابعة في الداخل بمعظم نتاجها. كان هذا أحد أسباب حريّته النسبية في العمل حتى في عهد فرانكو. من أبرز الجوائز التي نالها جائزة لجنة التحكيم الكبرى في «مهرجان كان» عن «نداء الغربان» (1976)، «والدب الذهبي» في «البرليناله» عن «بسرعة، بسرعة» (1981)، وبافتا أفضل فيلم أجنبي عن «كارمن» (1983) بالشراكة مع إميليانو بيدرا، إضافةً إلى أكثر من ترشيح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.
عن 82 عاماً، يستمرّ ساورا في العمل كالمعتاد. يستعد لتصوير فيلم بعنوان «33 يوماً» عن اضطراب بيكاسو (يؤدي دوره أنطونيو بانديراس) العاطفي أثناء إنجازه جدارية الـ «غرنيكا» الشهيرة، وعلاقته بالفنانة دورا مار.



«ساورا أو الرواية الراقصة»: بدءاً من الليلة حتى 10 أيلول (سبتمبر) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الاشرفية ـ بيروت) ـ جميع العروض تبدأ عند الثامنة والنصف مساء ــ للاستعلام: 01/204080