غزة | في عام 2010، قدّم التشكيلي والمصوّر الفلسطيني باسل المقوسي (1971) معرضه «مجانين الحرب» الذي ضم 22 عملاً فنياً هي عدد أيام الحرب الاسرائيلية على غزة. بين هذه الأعمال، تستوقف المتلقي صورة لامرأة حامل تقف أمام مبنى فيما تحلّق الطائرات الحربية الاسرائيلية فوق رأسها. الفنان المقيم في مخيّم جباليا دأب خلال العقود الأخيرة على توثيق العنف والموت والاعتداءات الصهيونية المستمرة على القطاع بالأعمال الفنية.
وفي هذا العدوان الذي حصد أرواح أكثر من 2100 شهيد، واصل توثيق الجريمة بدءاً من مكان سكنه في مخيّم جباليا مروراً ببيت حانون وصولاً إلى خزاعة وخان يونس، وغيرها من أسماء المخيمات والأحياء والمدن الغزيّة التي حفظها الاعلام العربي والدولي عن ظهر قلب منذ حربين سابقتين. خلال العدوان وبعده، لم يتوقف عن العمل.
فإذا بالحصيلة 60 عملاً تنتمي إلى الفنّ الرقمي أو الـ «ديجيتال آرت» الذي بات الوسيط الأكثر شعبية عربياً في الفترة الأخيرة كما رأينا في أعمال السوري الشاب تمام عزام وغيره. فتجربة المقوسي تستند إلى لوحات وأعمال مرجعية في تاريخ الفن كأعمال ليوناردو دافينشي وكليمنت وفان غوغ وسيزان وماتيس لتعيد وضعها في إطار راهن مليء بالمجازر والدمار والوحشية. خلال العدوان، واظب المقوسي على نشر أعماله على صفحته على فايسبوك، فحصدت عدداً كبيراً من المعجبين والمتابعين الجدد.
الأعمال الاحتجاجية التي أُنتجت من خلال أسلوب الطباعة الرقمية تنوعت بين تلك القاسية والأخرى الساخرة التي تخفّف من وطأة الصور الدموية التي «تصلح في مجموعها لمعرض مؤثر جداً» بحسب ما علّق التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور على عمل المقوسي «بيكاسو في
خزاعة». في العمل، نشاهد إحدى شخصيات بيكاسو داخل لقطة فوتوغرافية لجموع واقفين فوق المناطق المدمرة في خزاعة حيث وقعت أبشع مجازر حرب «العصف المأكول». حين نسأله عن سبب اشتغاله بالفن الرقمي، يجيب باسل المقوسي: «هذا فن قديم ولستُ أول من عمل به. ولكن في هذا الوقت الذي كنا نعيش فيه الحرب، كان واجباً عليّ كفنان نقل صورة مختلفة لغزة، خصوصاً أنّ كثيرين في العالم لا يستطيعون مشاهدة العنف والدمار والقتل والدم والأشلاء بالشكل الذي تنتقل به من خلال وسائل الإعلام.
أنا حاولت أن أدمج صوراً للوحات عالمية مألوفة للكثير من الفنانين مثل بيكاسو وسيزان ودافينشي ومايكل أنجلو وغيرهم، مع صور كنت قد التقطتها في المناطق والأماكن التي تعرضت للدمار في غزة وخزاعة وبيت حانون والشجاعية. فعلت ذلك حتى يستطيع أكبر عدد ممكن في العالم مشاهدة ومتابعة ما يحدث في غزة من خلالي ومن خلال أصدقائي ونجحت في ذلك.
أضف إلى ذلك أنّ هذه التقنية كانت أسهل، أتاحت لي نشر الأعمال إلى العالم من خلال فايسبوك والبريد الالكتروني بدلاً من اللوحات والأعمال المرسومة بالاكريليك والزيت التي يصعب نقلها في ظل الحرب والحصار».
وعن الفضاءات الفنية التي احتضنت هذه الأعمال غير مواقع التواصل، يجيب: «حتى الآن، قدّمتها في ثلاثة معارض بشكل سريع خلال فترة الحرب كان أحدها في باقة الغربية، واثنان في ايرلندا. واتصلت بي غاليري من أميركا لإقامة معرض في نيويورك، إضافة إلى غاليري أخرى من السويد تريد إقامة معرض يتنقل في أكثر من مدينة».
يميل المقوسي إلى البساطة ونقل الفكرة بمنتهى الانسيابية. نشاهد مثلاً لقطة فوتوغرافية كانت الأخيرة للمصوّر الايطالي سيموني كاميلي قبل موته في غزة بصاروخ اسرائيلي.
برقة بالغة، وزّع المقوسي وروده الحمراء حول صورة للراحل. عيسى الناصري أيضاً حاضر في أعماله حيث هو الشاهد على تهجير العائلات الغزية، أو يتناول «العشاء السري» أو «العشاء الأخير» (دافينشي) مع تلامذته وفي الخلفية الدمار الرهيب الذي غلّف القطاع.