«ما من دين أو معتقد أو حتى آلهة قد تنقذ الإنسانية، الحل الوحيد أن يجتمع البشر لتحقيق تغيير حقيقي قبل أن ننقرض». هذه الكلمات المقتبسة من Planet Ocean الذي يعرض في اليوم الأول من «مهرجان البحر الأزرق للأفلام» في «سينما سيتي» في أسواق بيروت، كفيلة بإيضاح رسالته: إذا استمرينا في تسميم البحار، ستبتلعنا. لماذا هذه الغربة عن بحرنا؟ وكيف يعقل أن تكون علاقتنا بالبحر الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب، علاقة سطحية باعتباره مكبّاً للقذارات ومعرضاً للأجساد، وحمالاً لثروات اكتشفت في قعره قبل أن نكتشف ما في أعماقه؟ نحن في كارثة حقيقية. الثروة البحرية يدمّرها البشر، ضاربين التوازن الطبيعي بعرض الإهمال. أما النتيجة فكارثية.لا يعرف اللبنانيون بحرهم. وليسوا وحدهم في هذه الخطيئة، لكن ما يجعلهم مذنبين أكثر أنهم لا يملكون الحد الأدنى من الوعي بمخاطر ما يجهلونه. المشكلة تبدو «غير آنية» مع كثرة المصائب التي تنبع في كل بقاع الأرض وتصب في هذا البلد، لتصبح القضايا البيئية ترفاً لا لزوم له.

لكن هل يعرف فعلاً اللبنانيون أن ثمة علاقة مباشرة بين تلوث البحر وتكاثر الأمراض؟ هل يدرك الصيادون أن أساليب صيدهم هي التي تقلل إنتاجهم اليومي وتسهم في إفقارهم؟ وهل يعرف النوّاحون على شح المياه، أنهم يدفنون الأمطار قبل أن تتبخر؟
لا يتوقعنّ أحد أن مهرجاناً سينمائياً يمكنه أن يردم تلك الهوة بين الإنسان وبحره، لكن محاولة «مهرجان البحر الأزرق للأفلام» الذي يقام يومي 26 و27 آب (أغسطس)، يمكنها تأنيب الضمير بشكل أو بآخر. ما يقدمه المهرجان هو مجموعة من الأفلام التي شكّلت ثورة في صياغة العلاقة بين الإنسان والمحيطات، فهي لم تكن يوماً بهذا الوضوح ولم تتم مقاربة تلك القضية قط بتلك الصورة الشاملة.

روب ستيوارت يضيء على الخطر المحدق بأسماك القرش

إذا أخذنا Planet Ocean (2012 ـ س: 21:00) ليان أرثس برتران مثلاً، لوجدنا أنه وضع تصوّراً وجودياً شاملاً للطبيعة، فلا يكون الإنسان فيه الا سرطاناً يدمّر كل ما حوله، منطلقاً من فكرة أنّ المحيطات كانت البدء في تشكّل الحياة وستكون أيضاً السبب في زوالها، والا ستنظّف نفسها من الشوائب التي تعتبر الحضارات بشكلها الحالي من أبرز موبقاتها.
يعود المخرج الفرنسي ليؤكد أنّ أكثر من ثلثي البشر يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالبحار والمحيطات، وتدميرها سيؤدي في النهاية إلى تدميرهم.
وإذا كان Planet Ocean من أفضل الأفلام من حيث اللقطات المصورة تحت الماء وفي الفضاء أو من حيث التصاميم الغرافيكية والموسيقى التصورية الرائعة التي وضعها أرمان عمّار، فإن فيلم الافتتاح shark water (2006 ـ 26/8 ـ س: 19:00) لروب ستيوارت، يركز على إسقاط الأساطير التي وضعتها البشرية حول البحار، لعل أبرزها أسماك القرش التي صوّرت على أنّها آكلة البشر. يحاول السينمائي الكندي في عمله أن يضيء على الخطر المحدق بهذه الأسماك التي تعتبر أساسية في التوازن البيئي البحري، مسقطاً عنها تهمة الوحشية التي غالباً ما تبرر اصطيادها العشوائي الذي يقتل الآلاف منها يومياً من دون سبب. لكن الأهم في العمل أنّه أجبر المخرج على أن يصور شريطاً آخر هو Revolution (2012 ـ ٢٧/8 ـ س:19:00) الذي يعتمد تقريباً على المعلومات والفلسفة نفسيهما اللتين انطلق منها Planet Ocean لكن بأسلوب تسجيلي سريع، أي أنّه لا يعتمد الأسلوب الروائي السلس الذي نراه في العمل الأول. الحصيلة أنّنا أمام شريط تحريضي يحث على التحرك والعمل لتحرير البحار من قبضة الإنسان.
من الأعمال اللافتة أيضاً The Ultimate Wave Tahiti (2010 ـ 27/8 ـ 21:00) الثلاثي الأبعاد الذي يحمل توقيع ستيفن لو. على عكس الأفلام السابقة، لا يتحدث هذا الشريط عن البحر وما يهدده بل عنه كقيمة جمالية وترفيهية أزلية والارتباط الموجود بين الإنسان والمياه. العمل الذي يلاحق الحياة البحرية في تاهيتي، يُعدّ من الأفلام الأجمل التي صوِّرت بالأبعاد الثلاثة، لأنه يستند إلى صور حقيقية ولقطات صوِّرت من تحت المياه ومن فوقها بأسلوب فني عال.
ويعرض فيلم «هنا والآن» (2012 ـ ٢٧/8 ـ س:21:45) لتايلور ستيل الذي صوّره في ٢٤ ساعة تابع فيها حياة راكبي الأمواج وأسلوب عيشهم وعلاقتهم بالبحر، وهو يختلف جذرياً عن الأفلام السابقة، فهو عمل روائي خفيف شغل بأسلوب فيه الكثير من الحيوية والموسيقى الجميلة كأنه عمل ترويجي لرياضة ركوب الأمواج وحثّهم على التصالح مع بحارهم.
ولا تغيب عن المهرجان الأفلام اللبنانية التي تتحدث عن البحر وأسراره ومشكلاته. يعرض كريستيان فرنسيس شريطه القصير HMS Victoria (١٥ دقيقة) الذي يلاحق أثر الباخرة الملكية التي غرقت قبالة الساحل اللبناني عام 1893 ويشكل محاولة سينمائية جيدة عن البحر اللبناني، فضلاً عن Surfing Lebanon (٥ د) الذي لا يعدو أكثر من محاولة تجريبية. هذا الحضور الخجول لا يعوض الغياب الكبير للأعمال اللبنانية عن البحر، وهي ليست بقليلة، وبعضها شارك في مهرجانات وحاز جوائز دولية. لكن هذا لا يلغي كون المهرجان يشكّل تجربة ممتازة على أمل أن تتكرر.



«مهرجان البحر الأزرق للأفلام»: 26 و27 آب (أغسطس) ــ «سينما سيتي» (أسواق بيروت) ـ للاستعلام: 03/945702