«مزاجي الليلة سيء/ وقلبي في حداد» هكذا يبدأ ديوان المغربي يونس الحيول (1973) «ترويض الندم» (مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر ـ مصر) لينتهي بـ «رغبتي شاهقة/ جسدك قليل». بين المقطعين عشرات الحالات حيث السأم والتردد يجعلان الندم الحل الأخير لتصفية الحسابات مع العالم، وحالة وجودية بالأحرى: «كأني نادم/ على شيء لا أعرفه/ كأن الندم وحده يكفي/ وحده لأصير مثلما/ أنا الآن».
يكتب يونس الحيول عن الندم. يستحيل كل شيء، وكل ذكرى إلى لحظة من الألم الشفيف الذي يخترق دائرية الزمن. الزمن هنا عنصر طاغ، ولو لم يبدُ كلاماً. يعيد الكاتب توليف الذاكرة بما أنها تعبير عن شظايا الزمن. ينظر إلى الخلف، ويحاول ترويض الحسرة. كل خطوة وكل المسافات وكل كلمة وكل عبور في الأمكنة والتفاصيل تستحيل إلى مبرر لكتابة قصيدة نثر هادئة في الظاهر، لكنها كبركان يعتمل من الداخل. قصائد تستعيد العلاقات الإنسانية والحب وأشياء أخرى.

الشاعر المقيم في مدينة آسفي المغربية التي تكتب أحياناً أسفي، لا ينتظر معجزة. المدينة التي غبنها التاريخ والجغرافيا، يعيش سكانها على إيقاع الأسف. كل ما تحمله من ذاكرة تمتد لآلاف السنين، عبثت به أيدي التاريخ ومافيات العقار، وجهل السكان والدولة. يونس الحيول ابن المدينة يحمل أسفه الخاص، ويروضه، جاعلاً من قصائده وذاكرته الشخصية حارسة لهذا التاريخ الجمعي الذي تكوّنه جزر الأفراد: «أنا حارس الأرض/ وحامي سلالة الخاسرين/ أحلامي قصيرة القامة/ أعصب جبين النهار/ وفي الهجير- بلا رجاء-/ أضرب في صحراء غامضة النوايا». لكن نوايا الديوان واضحة: سبر هشاشة الجواني، والحفر في الذات بمعاول ثم رص الذكريات على رصيف قائظ، فالنظر إلى ما في العالم وإلى الآخر من على عتبة الأربعين: «الأربعون/ نزهة طويلة في حديقة/ السأم/ أقطر فيها حياتي/ مثل كتاب صغير/ مثقل بالأخطاء/ بلامبالاة بالأحلام/ بفراخها التي قضت/ من فرط صقيع/ المشاعر».

21 قصيدة تلتقي على ترويض
هشاشة الكائن


يأتي الآخر في قصائد الحيول بصيغة الجمع. إنهم الآخرون بالتوصيف السارتري الشهير «الجحيم هم الآخرون». والآخرون لدى يونس الحيول هكذا: موتى، أصدقاء يخفون مخالبهم إلى أن تنتهي السهرة، وفي آخر النهار يتخيل الشاعر أنه على الجبهة. والجبهات متعددة منها جبهة الحب. بين الشذرات والنصوص الطويلة، تُسْتَحضر العشيقة الغائبة. هنا أيضاً مظهر من مظاهر الندم، حيث يتقاسم الواحد مع نفسه أمراً واحداً هو ترتيب ذكريات الحب: «كأنك لم تصوبي برباطة/ قلب/ وتركضي خارج تفاصيل/ حياتي/ (بلا كلمة ولا تلويحة)/ كأنك لم تحزمي مشاعرك وتغادري هذه الغرفة/ حيث الشراشف ترتدي/ شارة الحداد». يريد الشاعر أن يجهز على هذه الذاكرة الفردية. ربما هذا ما يحيل عليه فعل الترويض في عنوان الديوان. لكن «ترويض الندم» مهمة شاقة، فذئاب الوقت تعوي بين أشجار الكالبتوس في مدينة الأسف. حتى عناوين قصائد الديوان بدورها صدى لمشقة الترويض. هناك «الألم 1» و«الألم2»، وهناك «حديقة السأم» و«هبوط اضطراري» و«مونولوجات عارية» و«لا أغنية لأنشدها أيتها الغابة»... غير أن الكاتب يتلمس خطواته بثقة في غابة الشعر. ديوانه الأول «الموت بكل خفة» (2009) نال «جائزة بيت الشعر» في المغرب، قبل أن يليه ديوانه الثاني «ترويض الندم» عن دار مصرية. العمل يتكون من 21 قصيدة تجتمع في رغبة واحدة: ترويض هشاشة الكائن.