في آخر أعماله السينمائية، أدّى روبين وليامز (1951 ــ 2014) دور رجل غاضب يُدعى هنري ألتمان. بعد علمه بإصابته بورم خبيث في الدماغ، يحاول بطل فيلم «الرجل الأشد غضباً في بروكلين» (The Angriest Man in Brooklyn) التصالح مع العائلة. لكنه لا يكتشف سيّئاته وقيمة الزمن إلّا عندما تقرّر الطبيبة شاروت غيل (ميلا كونيس) الانتقام منه نظراً لـ«وضاعته» وتخبره بأنّه سيموت بعد تسعين دقيقة.
عندها، يحاول الانتحار غير أنّه يفشل. الفشل على الشاشة الكبيرة، قابله نجاح على أرض الواقع، إذ أُعلنت أوّل من أمس وفاة الممثل الأميركي الشهير في منزله بالقرب من تيبورون إلى الشمال من مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا. أكدت دائرة الطب الشرعي في مقاطعة مارين أنّه توفي اختناقاً، مرجحةً أن يكون قد أقدم على الانتحار، فيما أشار مكتب رئيس شرطة المقاطعة إلى أنّه تلقى إتصالاً يفيد بأنّ وليامز فاقد للوعي ولا يتنفس. ونقلت الصحف الأميركية عن مصادر مطلعة أنّه سيجرى تشريح الجثة أمس للتأكد من السبب الحقيقي للوفاة.

رجّح مكتب رئيس
شرطة المقاطعة أنّه توفي اختناقاً بعد إقدامه على الإنتحار


من جهتها، قالت المتحدثة الإعلامية باسمه، مارا بكسباوم، إن وليامز كان يعاني كآبة شديدة في الآونة الأخيرة، مضيفةً: «إنها صدمة مؤلمة. وتتمنى عائلته من الجميع احترام خصوصيتها في هذه الأوقات الصعبة». بعدها، أصدرت زوجته مصممة الغرافيكس سوزان شنايدر بياناً أكدت فيه أنّه «فقدت زوجي هذا الصباح، وفي نفس الوقت، فقد العالم واحداً من أكثر الفنانين موهبة وإنسانية». يذكر أنّ وليامز الذي كان قد عانى من الإدمان على الكحول، دخل إلى مركز إعادة تأهيل في مينيسوتا الشهر الماضي لمساعدته في الحفاظ على اتزانه النفسي بعد برنامج عمل شاق.
لطالما اعتبر روبين وليامز رمزاً للأمل في كثير من أفلامه كــ Patch Adams (1998) الذي لعب فيه دور طبيب يعيد الأمل إلى مرضاه المصابين بأمراض خطيرة، وفي «صباح الخير، فيتنام» (1987) الذي حاز عن دوره فيه أوسكار أفضل ممثل. في هذا العمل، أدّى وليامز دور مقدّم أخبار في الهند الصينية خلال العدوان الأميركي عليها.
هو أيضاً ممثل بارع للشخصية السيكوباتية والمجرمة. في «إنسومنيا» (2002) المستوحى من قصة بيتر بان، جسّد وليامز ببراعة شخصية القرصان، كما نجح في Good Will Hunting عام 1997 في دور خبير الرياضيات. كذلك، كان المحبط والباحث عن الحقيقة بعيونه الزرقاء الصافية، وابتسامته المنكسرة حيناً والساخرة أحياناً، متربعاً مع آخرين على عرش الكوميديا من دون أن يترك مكانه في الدراما.
اشتهر ابن مدينة شيكاغو باختلاف اختياراته من فيلم إلى آخر. أستاذ الجماعة السرية للطلاب عشاق الأدب والموت في «جمعية الشعراء الموتى» (1989)، ترك أعمالاً كثيرة عن حالات يصل فيها الإنسان إلى الحافة، وتتنوّع بين الخير والشر، والتهاب المشاعر والجنون. الممثل الذي أعطى صوته للمارد في فيلم الكرتون «علاء الدين» (إنتاج «ديزني»)، كثيراً ما تصرّف كبهلوان لإضحاك جمهوره، مستنفذاً طاقة كبيرة للإبهاء عبر تعابير وجهه. وفي المقابل، استعان بملامحه نفسها لرسم لحظات من الأسى، فأدّى دور الشخصية المكتئبة التي تتجاوز سوادها الداخلي لتضحك العالم، وكأنه يعيد استنساخ مزاجه الشخصي.
كان روبين وليامز نموذجاً للممثل الذي يتقمّص أكثر من شخصية، ويشارك في أعمال هوليوودية بعضها يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الإيرادات، وأخرى حققت له مكانة خاصة في صناعة السينما الأميركية. حصد الممثل الذي شارك في مسلسل Happy Days جوائز أوسكار و«غولدن غلوب» و«بافتا» و«إيمي».
معاناته من الاكتئاب الحاد في أيامه الأخيرة، لم تمنعه من المساهمة في ثلاثة مشاريع هي «الرجل الأشد غضباً في بروكلين»، وNight at the Museum: Secret of the Tomb، وMerry Friggin' Christmas.
في الفيلم الأوّل، تحققت معجزة بمشيئة كاتب السيناريو أنقذت البطل من الغرق من على جسر بروكلين، إلا أنّ الواقع لم يرحم الممثل الذي أطلق عليه ريتشارد كورليس في صحيفة الـ«تايم» الأميركية اسم «عبقري الكوميديا».