ليس التقارب اعتباطياً بين عنوان فيلم «تامي» لبن فالكون واسم المَعِدة بالإنكليزية، فـ «تامي» الشخصية الرئيسية التي تؤدي دورها الممثلة مليسا مكارثي هي بالفعل امرأة بدينة مشغولة بحشو معدتها طوال الوقت كما يصورها الفيلم منذ المشاهد الأولى. نراها تلتهم رقائق التشيبس بشراهة في السيارة لغاية وصولها إلى عملها في مطعم الوجبات السريعة.
هناك، تفاجأ بقرار طردها، فتتسبب في فضيحة وتغادر، لكن ليس قبل أن تملأ جيوبها بسندويشات البرغر كانتقام أخير. تواصل أكلها إلى أن تعود إلى منزلها حيث تفاجأ بزوجها يخونها مع أخرى. بعد كل هذه الكوارث، تقرر أن تذهب في رحلة خارج المدينة برفقة جدتها المدمنة على الكحول (سوزان ساراندون). هذا الفيلم من كتابة وبطولة مليسا مكارثي التي رشحت لأوسكار عن دورها في «وصيفات العروس» (2011) بالاشتراك مع زوجها المخرج بن فالكون. تشارك في الشريط نخبة من الممثلين بعضهم حائز الأوسكار عن أدواره في أفلام سابقة كسوزان ساراندون في دور «بيرل» جدة تامي أو كايثي بايتس في دور لينور قريبة جدة تامي. تعرّض العمل للنقد السلبي بسبب ضعف السيناريو والإخراج في حين دافع آخرون عنه من منطلق الدفاع عن صورة المرأة البدينة التي تجسدها مكارثي، فقلة من الأفلام تجرؤ على تقديمها على الشاشة. لكنّ الفيلم متناقض إلى حد يصعب تحديد ما إذا كان فعلياً يدافع عن صورة المرأة البدينة أم يضعها موضع السخرية والابتذال، وهو في الحقيقة يفعل الاثنين معاً. من ناحية، هو يصوّر تامي ككاريكاتور المرأة الفظّة وغير المرغوب بها التي لا تستطيع أن تقيم علاقة مع أحد بخلاف الطعام أو تفعل ذلك من أجل الطعام كما حين تخبر جدتها أنها مارست الجنس مع بائع البوظة من أجل الحصول على «آيس كريم».

تتحول تامي من
متمردة إلى امرأة تقليدية
ورغم المبالغة الكوميدية، إلا أن تامي لا تظهر لنا كنموذج للمرأة البدينة بقدر ما تبدو في حالة تخلّي كلي عن الذات، لكن أيضاً متحررة من كليشيه الأنوثة بمفهومها التقليدي والصور المرتبطة بها كالنعومة. مثلاً، تلحق برجل في الحانة إلى الحمام وتباشر بالتحرش به وتقبيله فيما يصدم هو من تصرفها. حتى في خيالها، هي متأثرة بصور أقرب إلى الذكورية كما حين تقرر سرقة مطعم للوجبات السريعة لدفع كفالة جدتها، فتتقمص شخصاً من عصابات الراب. كذلك، فشخصية الجدة ببحثها عن المغامرة في هذا العمر تقارب أيضاً تامي بخروجها عن المألوف. البدانة في هذا الإطار لا تبدو سوى تفصيل في شخصية تامي المتطرفة تماماً مثل جدتها المدمنة على الكحول. من ناحية أخرى، تامي أقرب ما تكون في الواقع إلى صورة المرأة الأميركية العاملة من الطبقة المتوسطة التي لا وقت لها للاهتمام بطعامها ولا بنفسها. ما يدعو للاستغراب أن تعتبر مليسا مكارثي استثناءً بخروجها عن الوزن المثالي في مجتمع حيث نسبة البدانة هي الأعلى في العالم، لكن لا تظهر فيه الممثلات البدينات إلا نادراً في أدوار كوميدية كأنهن كائنات فضائية. الحقيقة أنّ الفيلم لا يخرج عن نمط الكوميديا الأميركية عبر الثقافة الاستهلاكية التي يصورها وليس أكثر رداءة من غيره. وقد يكون هجوم النقاد الشديد عليه واتهامه بالابتذال عائدين إلى كون بطلاته نساء يحطمن بشخصيّاتهن الجمالية الشاعرية التي ترتبط بصورة المرأة عامة. الحوارات في الفيلم لا تخلو أيضاً من الطرافة الذكية في البداية لكنها تصبح ساذجة فجأة. ولسبب غامض، يتحول الفيلم تدريجاً من الكوميديا السوداء إلى الميلودارما كأنه يريد تصحيح الصورة التي قدّم بها تامي أو نموذج المرأة البدينة. تتحول تامي من متمردة إلى امرأة تقليدية، وبذلك يتقبلها الآخرون أو بمعنى آخر يسامحونها على وزنها الزائد بسبب طيبة قلبها. عبر ذلك، يؤسس الفيلم لكليشيه أكثر عنصريةً تجاه البدانة من فكرة السخرية منها ألا وهو مفهوم الجمال الداخلي. كأن البدانة تلغي تلقائياً مفهوم الجمال الخارجي، فيعود الرجل نفسه الذي رفض تامي في البداية للتقرب منها بسبب روحها المرحة كما يخبرها. صفة تلصق دائماً بالبدناء وهي خفة دمهم المفترضة التي تخفف ربما من ثقل أجسادهم كما يراها الآخرون، كأنّهم هم الذين يحملونها عنهم!

* «تامي»: Cinemall (ضبية ـ 04/444299)، «فوكس» (01/285582)، «سينما سيتي» (أسواق بيروت ـ01/995195)




لبّ المشكلة

لعل المشكلة الرئيسية في فيلم «تامي» أنّه ضائع بين الكوميديا والدراما وبين الكليشيه وما هو أكثر عمقاً، ما يجعل حتى أداء الممثلين مرتبكاً وغير متماسك. تضاف إلى ذلك ضعف اللغة السينمائية التي بالكاد تواكب الأحداث أو الشخصيات بتجرد من دون أن تضيف أي بعد آخر. وحدها الحوارات اللماحة أحياناً توحي بفيلم كاد يكون أكثر أهمية لولا ضعف العناصر الأخرى.