نضال الأشقر*هناك، في شارع الحمرا، أذكره متنقلاً بين «جريدة النهار» وقهوة الـ «هورس شو». عصام محفوظ الأنيق والخجول، كان صاحب ضحكة حزينة، لم يستطع سوى المسرح استثارتها بقوة. إلى هذا المكان الذي شكل مساحته المفضلة لإطلاق خياله، نقل عصام حزنه وسوداويته وتهكمه، فصنع مسرحاً يشبهه، تاركاً للمحترف اللبناني تجربة نضرة ومعاصرة اليوم أكثر من أي وقت مضى. كانت أعماله سياسية بامتياز، كتبها رجل مدني يرغب في التغيير، وفي انتقاد النظام السياسي بشراسة. لم تذبل هذه العقود مسرحيات عصام محفوظ، ولم تستطع ابعاد تجربته عن محاكاة اللحظة السياسية اللبنانية الراهنة التي لم تتغير منذ ذلك الوقت. وبعد عشر سنوات على رحيله، لا يزال اسمه يخيم على المسارح والجامعات اللبنانية التي تستعيد مسرحيات قدّمت قبل حوالى 40 عاماً وأكثر، كما لو أنها كتبت اليوم. لا يمكن العودة إلى عصام محفوظ، من دون تذكر الوجوه التي صنعت فترة بيروت الذهبية. كانت الحركة المسرحية حينها جزءاً من حركة ثقافية طليعية مشتركة، تجمع المسرح والفكر والشعر والرسم مثل رفيق شرف، وأنسي الحاج والياس الديري وغيرهم. «محترف بيروت للمسرح»، كان إحدى هذه المؤسسات الثقافية؛ روجيه عساف وأنا ومجموعة من طلاب الجامعة اللبنانية مثل رضا كبريت، وسارة سالم، وسليم جمال الدين ومحمد كبريت. في ذلك الوقت، تعاون معنا عدد من الكتاب كأسامة العارف وطلال حيدر الذي كتب لنا «مرجان وياقوت وتفاحة» وهنري حماتي الذي كتب «مجدلون»، وعصام محفوظ «كارت بلانش». بين الشعبي والسياسي، جاءت «كارت بلانش» (فكرة روجيه عساف) لتقدّم نقداً لاذعاً للسلطة اللبنانية. احتلت عروض «كارت بلانش» مسرح «فينيسيا» الجديد في بيروت لستة أشهر. كان ذلك عام 1970. وخلال أحد أيام تدربنا، روجيه عساف وأنا على العمل، أبدت الممثلة المصرية الراحلة سناء جميل رغبة في المشاركة فيه، فمنحناها دور مرزوقة. ألم يزل لبنان سوقاً عمومياً يعج بالسماسرة والبيع والشراء من النفايات إلى البترول، كما قدمته المسرحية حينها؟ أستعيد تجارب الحقبة الذهبية، أمام الانكسار الذي يواجه المسرح اللبناني اليوم. صحيح أننا نشهد، بين فترة وأخرى، تجارب فردية هنا وهناك، إلا أن الكتابة المسرحية كحرفة مستقلة تكاد تكون غائبة، لصالح الاقتباس من المسرح العالمي، أو استعادة تجارب سابقة. ما نفتقده بيروت اليوم هو حركة مسرحية شاملة. طبعاً حال الانقطاع مع فترة السبعينات دون ذلك. أحدثت الحرب تزمتاً وتديناً وعزلاً. وخير دليل على ذلك هو غضب "المركز الكاثوليكي للإعلام" الذي أثاره تقديم لينا خوري أخيراً لمسرحية «لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟»، التي كتبها عصام محفوظ قبل 44 عاماً. لكننا إذا لم نستخدم تراثنا الكنسي والموسيقي والأدبي، عمَ سنتحدث بعد ذلك؟ رغم كل شيء، أكاد أجزم بأن محفوظ شعر بسعادة كبيرة للإزعاج الذي سببته مسرحيته للسلطة الدينية بعد مرور كل هذا الوقت. واليوم لا يسعنا سوى الفرح باستعادة تجربة فريدة أغنت الحركة المسرحية، وأثرت في كل التجارب اللبنانية اللاحقة. أنا فرحة بتكريم عصام محفوظ في "الجامعة الأميركية في بيروت" بعد عشر سنوات على رحيل أحد أبرز الفنانين والشعراء والمسرحيين الذين صنعوا لبنان وألقه.
ممثلة مسرحية لبنانية