تستطيع صاحبة «مخبأ الملائكة» أن تقول: «قلادتكَ طائرٌ في عنقي»، ثم تكملُ ذلك بصوة مختلفة مثل «هذا الليل حصانٌ/ حوافره تحفر في روحي»، ثم نقرأ سطراً متروكاً بلا بداية ولا نهاية مثل «كدمعةٍ على العالم». وفي قصيدة أخرى، نقرأ سطراً مثل «ضحكَ لي/ كما لم تفعل نجمة»، ثم سطراً مختلفاً مثل «لا اللغة ولا الطيور/ وحدها الغيوم علمتني». كأن كل قصيدة هي حصيلة مونتاج متواصل يكاد يصبح أسلوباً، بينما يصبح الفراغ أو الصمت بين المقاطع جزءاً من الكتابة وعلامةً إضافية على خفوت النبرة وهشاشة العوالم التي تنشأ عنها. الحب هو فكرة ممزوجة مع أفكار أخرى، بينما الشاعرة نفسها تقول: «كما تُنسى علبة كبريت/ مثلما يُهمل حنينٌ في حقيبة/ قلبي الذي أضيّعه وأضحك/ كمنْ بوسعه أن يحبّ وحيداً»، كما أنها بحسب عنوان إحدى القصائد «وحدي في الحكاية».
الوحدة أطروحة تتقاسمها مع شريك غامض يحضر بالانطباعات الخافتة التي ترسلها اللغة والكلمات التي تصفه أو تقتفي حضوره. كأن حضوره يولد من بنات أفكار القصيدة لا من الواقع. هناك مشهديات تتتالى في باريس وفي القاهرة، وفي شوارع وأماكن بلا أسماء، بينما المقاطع التي تُكتب عن ذلك تتسع لما يزيد على حضور شخصين، وتصبح الكتابة مناسبة لابتكار صور وعوالم أكثر من كونها توثيقاً لحوادث حقيقية. ما نقرأه أولاً هو الروائح والمذاقات التي تطفو على المشهد، أو تلك البقايا غير القابلة للاندثار. شعر سوزان عليوان موجود في المحو والتظليل ورثاء اللحظات المنقضية. هناك نوع من الأسى المتواصل الذي يصبح جزءاً من المادة المكتوبة بمعجم صغير وحميم تحتفي صاحبته بالآثار الطفيفة والأصداء والتفاصيل المتحصلة من النظر إلى العالم من زاوية خاصة ومواربة. لا تريد الشاعرة أن تبهر القارئ أو تبالغ في جرعات اللغة ومهاراتها. ممارساتٌ محببة مثل هذه تمنحها خصوصية واضحة، ولكنها تجعل الشعر نفسه معرَّضاً لتفاوتٍ في الجودة، فنقرأ مقاطع وصوراً تُدهشنا، وأخرى عادية وأقل إدهاشاً.
مشهديات في
باريس والقاهرة وفي أماكن بلا أسماء