أصبح دكتور فود وزوجته شروق «صن شاين» أشهر من نار على علم، بفضل الفيديوات التي يُتحِفان بها الجمهور كل يوم على فايسبوك وتيك توك وغيرهما من مواقع التواصل. «الدكتور فود» في الأصل، مُدوّن طعام شهير في لبنان، اعتدنا رؤيته وهو يعطي رأيه في المأكولات المختلفة ويُرشِّح للجمهور أطباقاً أو مطاعم معينة. أما شروق، فهي «تيكتوكر» تُقدّم محتوى متعلقاً بالجمال والموضة. كان الاثنان يعملان بشكل منفرد إلى أن وقعت المعجزة العاطفية وأصابهما سهم كيوبيد، فتزوج المؤثر المعروف بالتيك توكر الشهيرة، وقدّما للمعازيم يخنة الفاصولياء في الزفاف. بعد النجاح الكبير الذي حقّقته حبوب الفاصولياء، قرّر دكتور فود وشروق أن يتعاونا معاً لإنتاج محتوى مميَّز للجماهير الغفيرة. هكذا راحا يصدران يومياً فيديو لوصفة طعام جديدة من إعدادهما وتنفيذهما أو يزوران أحد المطاعم لتذوّق ما لذّ وطاب.من يتابع فيديوات دكتور فود وشروق التي تلاقي رواجاً واسعاً وتحقق مئات الآلاف من المشاهدات، يلاحظ حملة التنمُّر الواسعة التي يتعرض لها الزوجان. متابعون كثر يتهمونهما بثقل الدم والتّصنُّع، بالإضافة إلى السخرية المتكررة من طريقة شروق الدلّوعة في الكلام ومفرداتها التائهة بين العربية والإنكليزية. الحقيقة أنّ الثنائي مظلوم فنيّاً لأنهما خفيفا الظل لا يستحقان كل ذلك التقريع والتنكيت والتعليقات السلبية. رُبّما لا نتفق جميعاً على مهارتهما في الطبخ، لكنهما يتمتعان بكاريزما وحضور فكاهي يجعلانِنا نميل لتصنيف المحتوى الذي يُقدّمانه أخيراً في خانة الأعمال الهزلية. وإذا أصررنا على رؤية النصف المليء من الكأس، يمكن القول إنّهما ظريفان وينشران البهجة أكثر بكثير من البرامج الكوميدية التي نشاهدها على القنوات اللبنانية. برامج لا صلة لها على الإطلاق بالمرح والطرافة.
تبدأ فيديوات دكتور فود عادةً بإحدى عبارات شروق المفضلة: «دكتور فود، أنا جوعانة أو دكتور فود أنا زهقانة». والعلاج عند الدكتور فود للملل والجوع والمرض هو دائماً وأبداً الدخول إلى المطبخ أو المطعم. أحياناً، تتخلل تحضير الوصفة أخطاء مضحكة: مثلاً أثناء تحضيرهما صيادية السمك، قامت شروق بقلي البصل إلى درجة التفحم وحتى أصبحت الشرائح سوداء كالفحم. ثم قالت للمشاهدين بكل ثقة إنّها درجة اللون المطلوبة لتحضير الطبق المنشود. في إحدى المرات، تعاونت شروق مع حماتها لطبخ ورق العنب المحشوّ. والنتيجة كانت وريقات عنب تطوف في بحيرة من العظام والسوائل. وقبل أيام، قرّرت شروق إعداد عشاء خفيف وهو الكوسا باللبن (نعم الكوسا باللبن عشاء خفيف في قاموس شروق!). عندما انتهت، دعت زوجها للتذوق وأطعمته حبة كوسا خضراء سُمِع صدى قرقشتها يتردد بقوة في الفيديو، ما يدل على أنّها ما زالت نيئة. لكن مهما كانت الأعاجيب الغذائية التي يقدّمها الثنائي، تُبدي شروق دوماً اندهاشها بوصفات زوجها اللذيذة، وتقول له: «واو حبيت». ورغم انتقاداته الدائمة والحادّة التي يوجهها إلى كل الطهاة، إلا أنّ ولائم شروق الغريبة توافق هواه أيضاً: «من بعدك ما حدا يطبخ». هكذا، ختمت شروق موسوعة فن الطبخ واستوت ملكة على عرش الطبيخ.
أما الأكثر إثارة للعجب فهو عندما يقرر دكتور فود أن يضيف لمساته الشخصية على الأطباق اللبنانية الشهيرة كالشيخ المحشي، محوّلاً إياها إلى أطباق غامضة ومستعصية على الفهم. منذ نعومة أظْفارنا، نعرف أنّ شيخ المحشي يتطلب حشو الباذنجان المقلي باللحم المفروم ثم إضافة صلصة البندورة. لكن دكتور فود قرّر أن يضع في الباذنجان قطع لحم ستيك كبيرة ويزينها بجبنة «شيدر» و«موزاريلا». والنتيجة النهائية كانت لوحة فنيّة (غير معبِّرة) لا تمت بصلة إلى الطبق المطبوع في ذاكرتنا الجماعية.
من جهة أخرى، يبدو أنّ أمور دكتور فود التجارية تسير على أحسن ما يرام رغم النقد الذي يتعرض له. فقد خصّص حلقة كاملة ليرينا كيفية تحضير طن من شوكولا «ويفر الدكتور فود» المؤلفة من سبع طبقات وهي ستنزل قريباً إلى الأسواق وتطيح كلَّ أنواع الويفر الموجودة! لكنّ الأمر الذي يستحق حقاً التعليق هو كميَّة المواد التي يهدرها الدكتور فود وشروق لتجهيز كل هذه الأطباق. لقد صعقنا أخيراً بكمية اللحم التي استخدمها لطهي الملفوف المحشوّ (مع التذكير أن سعر كيلو اللحمة في لبنان يجعل البقرة تشعر بأمان مطلق). أما تحضير معكرونة على الطريقة الفرنسية، فيتطلب كمية جبنة تكفي مدينة باريس لمدّة أسبوع. وغالباً ما نراهما يُبذران جبنة «البارميزان» وجبنة الشيدر والموزاريلا على الوصفات يَمْنة ويَسْرة في وقت يعاني فيه الشعب اللبناني الأمرَّين لشراء كيلو لبنة (مخلوطة بنشاء أو جفصين وفقاً لنتائج آخر التحاليل). طبعاً، لا ننسَ أنواع الصلصات التي يصبّانها بغزارة على الأطباق، بالإضافة إلى التوابل وكريمات الطبخ. الحقيقة أننا نشعر عندما نشاهد دكتور فود وزوجته يطبخان، بأنّهما يستهلكان موارد كوكبنا من حليب ودجاج ولحوم وخُضر، ونخشى أنهما لن يتركا شيئاً للأجيال اللاحقة. لكن يُسجَّل للدكتور فود وزوجته أنّهما قاما عدّة مرات بتوزيع بعض الطبخات على الفقراء في الشارع ليزرعا البسمة على حدِّ قولهما.
سلوكيّات تزيد من الإحساس بالشرخ الطبقي


لا شك في أننا نعيش اليوم في عصر التيك توكر واليوتيوبر، وأصبحت قنوات الطعام والأزياء والتجميل طريق كثيرين للشهرة. رأينا العديد من الناس أخيراً يقتحمون هذا المجال بغية تأمين دخل من دون عمل حقيقي منتج. وغالبية هذه القنوات تسعى لخلق احتياجات ورغبات جديدة لدى الجمهور، وهي تُنمّي إحساس المتابعين بعدم الاكتفاء وتدفعهم للمزيد من الشراء، لاعتقادهم بأن امتلاك المزيد من المنتجات والمتَع المادّية هو سبيلهم الأكيد للسعادة. لكن المعضلة التي يتجاهلها صُنَّاع المحتوى في لبنان أنّ الثقافة الاستهلاكية للشعب تغيرت جذرياً في السنوات الثلاث الأخيرة، واللبنانيون اليوم يفكرون فقط بشراء حاجاتهم الأساسيّة بالحد الأدنى. وهذه الفيديوات المنتشرة على نطاق واسع، رغم أنّها مُسلّية أحياناً، لا تعمل إلا على زيادة إحساسهم بالشرخ الطبقي.