منذ انطلاقتها في لندن في شباط (فبراير) من عام 1998 على يد الكاتب العراقي صموئيل شمعون والناشرة البريطانية مارغريت أوبانك، أخذت «بانيبال» على عاتقها مصالحة لغة شكسبير مع الأدب العربي المعاصر. زيّنت غلاف العدد الأوّل لوحة بريشة يوسف عبدلكي شكلت جزءاً من هوية المجلة، وأصبحت لاحقاً شعار «جائزة سيف غباش بانيبال للترجمة». ومنذ ذلك الحين، ظلّت المجلّة مستقلة واعتمدت على الجهود الفردية لشخصين عزما على سدّ الفجوة القائمة بين الأدبين العربي والعالمي، وإرساء قاعدة من القراء الذين يحبّون الأدب العربي ويقدّرونه.كما أنّها دأبت على تقديم مختلف تيارات وتجارب الأدب العربي إلى القارئ الأجنبي، وواظبت على الصدور بانتظام لمواكبة وتقديم التجارب الحيّة في الأدب العربي، واستمرت في هذا الرهان الطموح الذي تغلّب على المصاعب والأنواء، وتحدّى القحط الثقافي الزاحف، إلى أن قرّرت أخيراً الابتعاد عن المشهد بعد ربع قرن.
في البيان الذي أعلنت فيه التوقّف، أكدت أوبانك أنّ «بانيبال» لطالما تمتّعت، في ظل غياب الاعتبارات التجارية، بالحرية المطلقة ليظلّ «الأدب شغلنا الشاغل فحسب». على مدى 25 عاماً، حققت «بانيبال» إنجازات عدّة في مجال ترجمة الأدب العربي إلى الإنكليزية، ومن الإنكليزية إلى لغات أخرى، حتى بات يمكن تأريخ حركة ترجمة الأدب العربي المعاصر إلى اللغات الأخرى، بما «قبل بانيبال وبعدها». وكان فريق المجلة يتألّف من مجموعة صغيرة من غير المتفرغين والمتطوعين. أما الأعمال الكثيرة الرئيسية التي تشمل التحرير والإدارة والشؤون المالية والتوزيع والإعلان والتسويق وغيرها، فكانت «من نصيبي أنا وصموئيل، وكنا نمتلك الطاقة والقدرة الجسدية والحماسة والقناعة التامة في العمل الذي أديناه بشغف أعاننا على إصدار المجلة، عدداً بعد عدد، طوال ربع قرن»، وفق ما تقول أوبانك. وتضيف: «كنا، ما إن نصدر عدداً جديداً من المجلة، حتى نبدأ بالتخطيط والإعداد للعدد التالي، وكانت تنهال علينا دائماً كمية كبيرة من الأعمال الأدبية العربية الجديرة بالترجمة، ويمكننا أن نقول بحق إن شغفنا بالأدب العربي المعاصر هو الذي أدام طاقتنا اليومية طوال تلك السنوات».
لكن هل يعني توقّف أوبانك عن الصدور بعد العدد 75 أنّ دورها انتهى؟ «قطعاً لا. فالأدب العربي يحتاج دائماً إلى مجلة مثلها، لا بل يحتاج إلى أكثر منها. وها نحن نختتم عملنا، لا لأنها لم تعد ضرورية، بل لأننا، أنا وصموئيل لم نعد قادرين على مواصلة العمل، مؤمنين في الوقت نفسه بضرورة ضخّ دماء جديدة من الشباب الذين يتمتعون بالحماسة نفسها التي رافقتنا خلال هذه الرحلة، نحن وجميع من عمل معنا منذ صدور العدد الأول». وتشدّد أوبانك على أنّه «لم نشكُ أو نتذمر يوماً من قصور المؤسسات الثقافية العربية تجاه المجلة، وعدم تجاوبها معنا، وغياب دعمها لترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، مع أننا ندرك تماماً أنّ ذلك يجب أن يكون من أساسيات رسالة ومهام تلك المؤسسات». وختمت كلامها بالقول: «في النهاية، يحدوني، ورفيق رحلتي وصموئيل، السعادة والفخر البالغين، بما أنجزناه منذ عام 1998 حتى يومنا هذا. هكذا هي الحياة، وهذه النهاية الحتمية لرحلة حافلة بالاكتشاف والعطاء. لقد أدينا واجبنا على أكمل وجه. وداعاً، وشكراً لكم».