بعد نحو شهر على تعيينه، لم ينجح وزير الثقافة المصري جابر عصفور في كسب أصوات من عارضوا توليه المنصب في أول تشكيل وزاري في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. لم ينجح عصفور أيضاً في تحسين صورته التي اهتزت كثيراً بعد قبوله الوزارة في آخر حكومات الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ لم تنصف قراراته في الوزارة من تعاطفوا معه واعتبروا عودته إلى الوزارة فرصةً ذهبية لإصلاح خطأه الدرامي الأول حين قبل المنصب في أجواء ثورة «25 يناير». ورغم أنه كان قد بدأ وزارته الثانية بخطاب يعزز فكرة التنوير والعمل على مواجهة الإرهاب ودعم الشباب، إلا أن التعيينات التي أعقبت هذا القرار جاءت مخيبة لآمال الجميع.
ما كاد الوسط الثقافي يستفيق من صدمة تعيين الكاتب السيد ياسين (94 سنة) مقرراً للجنة التي ستتولى كتابة استراتيجية ثقافية للمستقبل، حتى أصدر عصفور قراراً جديداً مفاجئاً تمثل في تعيين الضابط السابق في «مجلس الدفاع الوطني» (جهاز المخابرات) أسامة عبدالله أحمد عمران، رئيساً لقطاع مكتبه. مشكلة القرارين تكمن في أنهما يؤكدان لغالبية المثقفين رغبة النظام القديم في استعادة قواعده. السيد ياسين يعدّ من أبرز المفكرين الذين اتخذوا موقفاً معادياً من «ثورة يناير».
حتى أنه اتهم شباب المدونين بـ«الجهل» قبل عام من الثورة في ندوة أقيمت في الكويت، ووصف تعليقات هؤلاء بأنها تعليقات سطحية، وأن ثورتهم هي الثورة الوهمية التي لم تغير شيئاً في الواقع السياسي. راح ياسين أيضاً يطلق انتقاداته على بعض المدوّنات لأنها «تنتمي إلى صناعة مستقلة ممولة من أميركا وبعض الجهات الخارجية الأخرى، أو تقوم ببيع إنتاجها من صور ولقطات قصيرة إلى القنوات الأجنبية». وقد ألّف ياسين كتاباً عن «ثورة يناير»، ظلّ نصاً معلقاً في الفراغ. لذلك نال قرار تعيينه نصيبه من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. لم تخل التعليقات من إشارات تذكر بوقوفه الدائم ضد الشباب، وانعدام صلته بخطط إعادة هيكلة وزارة الثقافة والمجموعات الناشطة لكتابة سياسة ثقافية جديدة بسبب تقدّمه في السن. كذلك، نوه بعضهم بعمله مستشاراً لمركز بحثي يديره ويملكه الكاتب عبد الرحيم علي الذي يعتبره نشطاء «ثورة يناير» من أبرز المعادين لها وأكثر من تصدوا لتشويه نشطائها عبر برنامجه التلفزيوني «الصندوق الأسود» على فضائية «القاهرة والناس».

يواجه مشكلات
مع بعض رجال الدين بسبب تهجّمه على «مؤسسة الأزهر»

وبالنسبة إلى مدير قطاع مكتب وزير الثقافة الجديد أسامة عمران، فقد أشار بيان وزارة الثقافة إلى أن خبراته الإدارية ارتبطت بمواقع وأجهزة أمنية خدم فيها. تخرّج من كلية الشرطة (1986) بتقدير جيد، وعمل ضابطاً في وزارة الداخلية قبل التحاقه بالمخابرات العامة عام 1992. وابتداءً من العام نفسه، عمل عضواً في «مجلس الدفاع الوطني»، وشارك في العمل الدبلوماسي في سلطنة عُمان. ورأى ناشطون أن تعيين عمران يعيد وزارة الثقافة إلى الصيغة الإدارية نفسها التي حصّنت الوزير السابق فاروق حسني. وقد اعتمد الأخير في إدارة قطاع مكتبه، على ضباط سابقين من المؤسستين العسكرية والأمنية لعبوا الدور الأكبر في تحصين قراراته، رغم الأزمات التي تورّط بها أمام الجماعة الثقافية. وتساءل الجميع عما قد يدفع الناقد الأدبي والأستاذ الجامعي جابر عصفور لإعادة السيناريو نفسه، خصوصاً حين يكون في أشدّ الحاجة إلى تحسين صورته المشوّهة بسبب موقفه من «ثورة يناير».
أثّر هذان القراران في عدد من الخطوات الإيجابية التي اتخذها عصفور، بدءاً من تغيير بعض قيادات الوزارة وتعيين أسماء ذات مصداقية مكانهم. هكذا عين الأستاذ والمؤرخ الجامعي، وأحد مؤيدي «ثورة يناير» محمد عفيفي أميناً لـ«المجلس الأعلى للثقافة»، و أستاذ الفلسفة الأكاديمي أنور مغيث مديراً لـ«المركز القومي للترجمة»، والصحافي حلمي النمنم رئيساً لـ«دار الكتب والوثائق القومية». وهي الدار التي انتدب رئيسها السابق عبد الناصر حسن لمدة شهرين رئيساً لـ«هيئة قصور الثقافة» لغاية اختيار رئيس من بين قيادات الهيئة (تملك 525 موقعاً ثقافياً في مختلف أقاليم مصر)، التي يراهن عصفور عليها في خطته الساعية إلى مواجهة الفكر الظلامي في الأقاليم وتحقيق مبدأ «العدالة الثقافية»، وتنشيط مجموعات وزارية تضم إلى جانب الثقافة وزارات التعليم والشباب والسياحة.
ومن المتوقع أن يواجه عصفور أزمة في سعيه إلى اختيار أحد معاونيه في هذا المنصب، خصوصاً بعدما هدد الشاعر مسعود شومان وزارة الثقافة برفع دعوى قضائية بعدما اختارته لجنة القيادات في الوزارة للمنصب. إذ فوجئ بتحفظات عصفور الذي تجاهل القرار استناداً إلى تقارير إدارية انتقدت تجاوزات شومان في آخر المناصب التي تولاها في الهيئة، فيما أكّد شومان عزمه على اللجوء إلى القضاء للحصول على المنصب رغم تحفظات الوزير.
وبعيداً من المشكلات الإدارية، يواجه عصفور مشكلات من نوع آخر مع بعض رجال الدين الذين انتقدوا تصريحات هاجم فيها «مؤسسة الأزهر» وورّطت الوزارة في أزمات ترجع إلى التسعينيات من جهة، ووضعت صديق عصفور شيخ الأزهر أحمد الطيب في مأزق الدفاع عن مؤسسته من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه، من شأن تصريحات عصفور أن تضع وزارة الثقافة بمختلف مؤسساتها في دائرة «التربص» من قبل رجال المؤسسة الدينية العريقة، ما يؤكد أنّ أي مواجهة محتملة بين الأزهر والوزارة ستكون حامية.