في عام 1921، وصل وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل إلى القاهرة لإعادة رسم خريطة الشرق في أعقاب الحرب العالمية الأولى. كان المؤتمر بمشاركة محدودة لضباط ومسؤولي بريطانيا في المنطقة. وبالرغم مِن السيطرة العسكرية على المنطقة، إلا أن المؤتمر كان مُحاولة غير ناجحة في النهاية، لنقل الشرق إلى عالم القومية الحديثة. ولم يكن لأي مؤتمر آخر مثل هذا التأثير الدائم على المنطقة، كما يوضح أستاذ التاريخ سي. براد فوت في كتابه «القاهرة 1921: عشرة أيام صنعت الشرق الأوسط» Cairo 1921: Ten Days That Made the Middle East (منشورات جامعة يال ـــ 2022) في عام 1920، واجه وزير الدولة لشؤون الحرب ونستون تشرشل ثلاثة ملفات معقدة، كان أكثرها إلحاحاً الاضطرابات الشديدة في بلاد ما بين النهرين، بجانب الثورة البلشفية التي أطاحت بروسيا القيصرية، وأخيراً حرب الاستقلال الإيرلندية.


في ما يخص بلاد ما بين النهرين، أو العراق كما سيُطلق عليه في ما بعد، وعلى الرغم من هزيمة الإمبراطورية العثمانية مِن قبل الحلفاء، إلا أن بريطانيا لم تتوصل إلى تسوية ثنائية رسمية مع الدولة الجديدة (تُركيا) في ما يخص السيادة على تلك الأراضي العثمانية السابقة. بالنسبة إلى تشرشل، كان الانتصار العسكري في زمن الحرب بحاجة إلى تحويله بشكل صحيح إلى ديبلوماسية تُمكّن لندن من تأمين موقعها في الأراضي العثمانية السابقة في بلاد ما بين النهرين.
كان تشرشل يتعرض لضغوط مِن رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج بهدف الحكم بشكل أفضل، وبكلفة أقل، إذ خرجت بريطانيا من عبء مالي ثقيل متزايد بعد الحرب. وصلت كلفة حُكم بلاد ما بين النهرين وفلسطين والجزيرة العربية إلى ما يقرب من 40 مليون جنيه إسترليني، أي ما يعادل اليوم مليار جنيه إسترليني. وتم إنفاق نصف هذا المبلغ بالكامل على بلاد ما بين النهرين وحدها من أجل قمع التمرد فيها ضد البريطانيين.
ولهذا طُلب مِن تشرشل الإسراع في التوصل إلى اتفاق مع تركيا بهدف انسحاب بريطانيا العسكري المكلف من بلاد ما بين النهرين، وإيجاد حلول سياسية بديلة تقلل نفقات المملكة المتحدة في أماكن أخرى في الشرق الأوسط كان يُسيطر عليها العثمانيون.
استمر تشرشل في حالة من الانزعاج الشديد إزاء المعضلة الجيوسياسية في الشرق الأوسط. بدا عاجزاً عن حلّ تلك المعضلة أثناء بقائه في وزارة الحرب. وما زاد الصورة تعقيداً بالنسبة إلى تشرشل، أنّ موقفه من تركيا ـــ وبالتالي من بلاد ما بين النهرين ــــ كان مختلفاً عن غالبية أعضاء مجلس الوزراء بمن فيهم رئيسه لويد جورج. فقد كان الأخير معادياً بشدة للأتراك، بينما امتلك تشرشل رأياً براغماتياً في ما يتعلق بتركيا، مفاده أن اتفاقاً مع العدو السابق لبريطانيا قد يمنع حدوث المشكلات التي تسبّبها تركيا في بلاد ما بين النهرين.

في سفح الأهرامات (من اليسار إلى اليمين) وزير المستعمرات ونستون تشرشل، وغيرترود بيل، ولورنس العرب

مع اقتراب عام 1920 من نهايته، واحتمال إجراء تعديل وزاري، قرر تشرشل الخروج من لندن للاسترخاء في الريف، ليرسل له لويد تعييناً وزارياً جديداً، وهو أن يصبح وزيراً للمُستعمرات البريطانية خلفاً لألفريد ميلنر. لم يوافق تشرشل مباشرة على عرض رئيس الوزراء، بل اشترط السماح بإعادة هيكلة وتوسيع المكتب الاستعماري من خلال إنشاء «قسم الشرق الأوسط».
آنذاك كان مصطلح «الشرق الأوسط» نفسه حديثاً، ذا أصل أميركي، ولم يكن متداولاً في السياسة البريطانية. يشير المصطلح بشكل أساسي إلى دول أو مناطق: مصر وبلاد ما بين النهرين وبلاد فارس وفلسطين وسوريا والمملكة العربية السعودية. ويعني هذا أنّ سلطة تشرشل الوزارية قد تتعارض مع وزارة الخارجية التي كانت تتولى آنذاك إدارة الشؤون المصرية، بالإضافة إلى شؤون الحجاز.
أنشئت لجنة وزارية خاصة بمسألة تضارب الاختصاصات، برئاسة السير جيمس ماسترتون سميث، وكيل وزارة العمل (سيصبح وكيل وزارة الخارجية الدائم للمستعمرات في وقت لاحق عام 1921)، من قبل لويد جورج، وتوصل إلى توصية بأن يقتصر نطاق إدارة قسم الشرق الأوسط المفترض على بلاد ما بين النهرين وفلسطين والجزيرة العربية وعدن.
بعدما انتهى صراع الاختصاصات داخل الوزارة البريطانية، بدأ تشرشل بوضع ملامح خطته لتشكيل حل دائم للموقف البريطاني الجيوسياسي المعقد في الشرق الأوسط. عمل على تصميم إطار عمل شامل يدمج كُلّاً مِن: مراسلات مكماهون ــ حسين، واتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور. ورأى أن هذه السياسات الثلاث يمكن أن تعمل في تناغم.
وكانت أولى هذه السياسات البريطانية الثلاث في الشرق الأوسط التي وضعها تشرشل قيد المراجعة، هي تلك التي اتخذها عام 1915 المندوب السامي البريطاني لمصر، السير هنري مكماهون، في المراسلات مع الشريف حسين، وقد جاء فيها وعد بريطاني باستقلال الوطن العربي إذا قاتلوا إلى جوار الحلفاء.

مندوبو الإجتماع في «سميراميس» أبرزهم: الجالسون: من اليمين: ونستون تشرشل، هربرت صموئيل، الواقفون: الصف الأول: من اليسار: غيرترود بيل، والسير ساسون حسقيل، المارشال إدموند ألنبي، ووزير الدفاع العراقي جعفر العسكري، وت. س لورانس، أما البقية فهم: الميجور هيوبرت ينغ، المارشال الجوي سير هوف ترنتشارد، والمارشال الجوي سير جفري سالموند قائد الطيران في الشرق الأوسط، جفري فرانسيس أرتشر حاكم الصومال البريطاني

وكان ثانياً على قائمة تشرشل أن يفحص من جديد تداعيات اتفاقية سايكس - بيكو. وربما كان العقيد سير مارك سايكس رجلاً تم إرساله لخدمة الشرق -على حد وصف تشرشل- لكن بالنسبة إلى الآخرين، مثل ضابط الجيش البريطاني توماس إدوارد لورنس، كان سايكس غير جدير بالثقة ومتشدداً، وقد حطم مشروع لورنس نفسه، إذ وصف الاستقلال العربي بأنه لم يكن أكثر من مجرد حلم كاذب.
وأخيراً ركز البند الثالث لسياسة تشرشل في الشرق الأوسط على وعد بلفور. وقد تعزز تعاطف تشرشل مع الصهيونية بسبب التزام بريطانيا العلني بالإعلان عن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وعلى الرغم من انتقاده الحاد أحياناً للنشاط الصهيوني، كان تشرشل يؤيد إنشاء نظام حكم يهودي جديد في الأرض المقدسة.
عمل تشرشل بسرعة على تعزيز فريقه الجديد من مستشاري قسم الشرق الأوسط، وتكليفهم بالمهام التي كان ينوي القيام بها. علاوة على ذلك، قرّر بشكل حاسم أنّه ينبغي له زيارة الأراضي التي سيديرها الآن مِن خلال سلطته المكتسبة حديثاً كوزير للاستعمار.
وعيّن تشرشل ضابط الجيش البريطاني توماس إدوارد لورنس (لورنس العرب) في منصب المستشار السياسي للشؤون العربية في وزارة المستعمرات، وتم تكليف العقيد الصهيوني القوي ريتشارد مينرتزهاغن في منصب مستشار الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، وجون إيفلين شوكبرج سكرتيراً، وكان تعيين تشرشل الرئيسي الآخر في قسم الشرق الأوسط هو هوبير يونغ، الذي كان ضابطاً بريطانياً في بلاد ما بين النهرين خلال الحرب العالمية الأولى.
أمر تشرشل بإعداد جدول أعمال لاجتماع في القاهرة والقدس في الفترة من 12 إلى 30 آذار (مارس) 1921، وركز على موضوع الانتداب البريطاني بموجب قرارات عصبة الأمم على فلسطين وبلاد ما بين النهرين، وقضية سوريا ولبنان، والحجاز، ومحمية عدن. وتمت دعوة جميع القادة العسكريين البريطانيين والإداريين المدنيين في الشرق الأوسط إلى مؤتمر في «فندق سميراميس» في القاهرة لمناقشة هذه القضايا.
وصل تشرشل إلى القاهرة في 10 آذار (مارس) 1921 إلى الموقع المختار لعقد المؤتمر، أي فندق «سميراميس» الفخم على ضفاف النهر، بالإضافة إلى لورنس وعدد قليل من زملائه الآخرين في وزارة الشرق الأوسط، بمن في ذلك هوبرت يونغ. وفي اليوم التالي، وصلت الباحثة والمستكشفة وعالمة الآثار البريطانية غيرترود بيل مع تسعة من زملائها من العراق. وقد كتب اللورد كرومر ذات مرة بإعجاب عن بيل قائلاً بأنّها تعرف عن العرب والجزيرة العربية أكثر من أي شخص أو امرأة إنكليزية أخرى. كما وصل المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس، وضابط الاستخبارات في مكتب المستعمرات البريطاني جون فيلبي. ووفقاً لمعايير معظم المؤتمرات الديبلوماسية في ذلك الوقت، كان التجمع في القاهرة صغيراً نسبياً، حيث ضم 39 مندوباً فقط، بالإضافة إلى وزير المُستعمرات. لذا أطلق أحدهم على المشاركين لقب «الأربعين حرامي»، ما أثار ضحكة خافتة من تشرشل.
تألف جدول الأعمال من ثلاث جلسات: العراق، وفلسطين (بما في ذلك شرق الأردن)، وعدن والخليج العربي.
وكانت السلطة القضائية والمالية وحجم حامية الجيش البريطاني والمجلس التشريعي المقترح، كلها على جدول الأعمال. وأصر تشرشل على أن يحافظ المندوبون على السرية التامة بشأن طبيعة ومدى مناقشاتهم. وجاء في مذكرته لهم في هذا الصدد: «ضرورة السرية المطلقة في شؤون هذا المؤتمر».
في 11 نيسان (أبريل) 1921، تأسست إمارة شرق الأردن كمحمية بريطانية. تم الاتفاق على أن يدير عبد الله بن حسين المنطقة تحت رعاية الانتداب البريطاني لفلسطين بنظام حكم ذاتي كامل. كما تم الإعلان عن تأسيس مملكة العراق تحت الإدارة البريطانية، أو عراق الانتداب يديره فيصل بن الحسين، وظلت المنطقة تحت الإدارة البريطانية حتى عام 1932.
وعلى الرغم من أنّ وزارة المستعمرات لم تتصوّر إلا فيصل كملك للعراق في المستقبل، إلا أن المنافسة على هذا التعيين كانت حاضرة خلال المؤتمر. بالنسبة إلى جميع المشاركين تقريباً، كان يُفترض أن يصبح العراق دولةً ملكية، لكنّ الاعتراض جاء من جون فيلبي الذي كان أحد مستشاري كوكس في بغداد قبل أن يصبح وزيراً للأمن الداخلي. كان فيلبي يؤيد ــــ سرّاً في البداية ــــ المنافس الإقليمي الرئيسي للأسرة الهاشمية، آل سعود، كمرشح أكثر ملاءمة على عرش العراق. لذا، تمسك فيلبي بالدعوة إلى جمهورية عراقية.
كان فيلبي معادياً ثابتاً للصهيونية وداعماً لعائلة آل سعود، التي كان يعتقد أنها الأمل الوحيد للاستقلال والوحدة العربية الحقيقية. وفي نهاية المطاف، فإن موقف فيلبي بشأن هذه القضية، سيُخرجه من الخدمة البريطانية في أواخر عشرينيات القرن الماضي، قبل وقت قصير من اعتناقه الإسلام، وتعيينه مستشاراً خاصاً للملك عبد العزيز آل سعود في الحجاز.
بالعودة إلى أعمال المؤتمر، وضع تشرشل أمام أعضائه قائمة تضم ستة أسماء، إلى جانب فيصل الذين اعتبروا مناسبين للنظر كمرشحين للعرش العراقي، وهم: عبد العزيز آل سعود، وزعيم الشيعة الإسماعيليين الآغا خان، والشيخ خزعل بن جابر الكعبي أمير عربستان الخامس وحليف شركة النفط الأنجلو ــ فارسية، والأمير التركي محمد برهان الدين أحد أبناء السلطان عبد الحميد الثاني، ووزير الداخلية العراقي طالب النقيب وهو مِن قبيلة الرفاعي القرشية الهاشمية، ونقيب أشراف بغداد عبد الرحمن الجيلاني.
بحلول الوقت الذي انتهت فيه الجلسة، كانت مسألة بأن يصبح فيصل ملكاً على العراق قد حُسمت. وكان كوكس واثقاً بأنّه عند تقديم فيصل إلى الشعب العراقي من خلال المجلس الوطني، سيحظى بتأييد قوي. وقد صاغ تشرشل برقية لإرسالها إلى لويد جورج حيث كان يخطط لإبلاغه باختيار فيصل كملك المستقبل للعراق.
في وقت انعقاد مؤتمر القاهرة عام 1921، استمر أكراد العراق (البالغ عددهم حوالى 5 ملايين) في احتلال أوطانهم التاريخية التي كانت متناثرة عبر منطقة جبلية بشكل رئيسي في الجزء الشمالي من البلاد. كما تستوطن مجموعات كبيرة من الأكراد أيضاً في تركيا وإيران المجاورتين. وإجمالاً، كانت هذه المناطق تُعرف باسم كردستان الكبرى.

الأمير عبد الله بن الحسين يصافح كليمنتين تشرشل وإلى جوارها وزير المستعمرات ونستون تشرشل في القدس

بدأ الأكراد، مثل العديد من الشعوب الأخرى في أوروبا وأماكن أخرى، في التطلع إلى الوعد السياسي للقومية على النمط الغربي في أواخر القرن التاسع عشر. تجسدت هذه الرغبة من خلال إنشاء «جمعية نهوض كردستان» عام 1918. بعد ذلك بوقت قصير، في «مؤتمر باريس للسلام»، تم الالتزام علناً بدعم إنشاء كردستان المستقلة، وهو ما انعكس على أحكام «معاهدة سيفر» التأسيسية.
مع ذلك، فإن صعود القومية التركية بعد الحرب، وما نتج عنها من حرب استقلال تركية بدأت احتجاجاً على المعاهدة بعد توقيعها في آب (أغسطس) عام 1920، تُرِكَ الأكراد في وضع عديميِ الجنسية. ومن الجدير بالذكر أن هذا الوضع من الضعف يشمل الأكراد الذين يعيشون في عراق الانتداب.
في الواقع، سيبقى المصير النهائي للأكراد سؤالاً بلا إجابة في القاهرة، وقد تم تبني موقف لا هوادة فيه ضد إنشاء كردستان مستقلة، وقد أظهر كوكس وبيل أنهما يدعمان بشكل كبير القضية العربية، بغض النظر عما قد يعنيه ذلك لشعوب أخرى خاضعة للإمبراطورية العثمانية. عارضت بيل كذلك التطلعات الصهيونية في فلسطين، واعتبرت أن تطبيق بريطانيا لوعد بلفور يعني كارثةً للعرب، كما أنّ سياسة تنفيذ وعد بلفور تكلّف الحكومة البريطانية قدراً كبيراً من المال في شكل التزامات القوات اللازمة للسيطرة على عرب فلسطين، وهي أموال يمكن إنفاقها بشكل أفضل في العراق حيث كانت الدعوة لاستخدامها أكثر إلحاحاً. لكنها اختتمت في رسائلها بتعبير اعتُبر مُعادياً للسامية: «بأن يمكن لليهود شراء الصمت البريطاني بشأن موضوع الإنفاق».
على الرغم من انتقاده الحاد أحياناً للنشاط الصهيوني، كان تشرشل يؤيد إنشاء نظام حكم يهودي في فلسطين


في اجتماعات اللجنة السياسية والعسكرية الفلسطينية التي عقدت في 17 و 18 آذار (مارس)، جادل تشرشل بقوة بأن السياسة تجاه فلسطين يجب أن تتغير بشكل كبير من أجل استيعاب الإنشاء الضروري لمحمية شرق الأردن. اعتبر تشرشل أن نهر الأردن التاريخي حدود طبيعية وحيوية مفيدة لتقسيم فلسطين. وكانت هذه الرؤية منسجمة مع موقف تشرشل المعلن بأنه على الرغم من أن معظم التعليقات ورد الفعل على وعد بلفور قد ركزت على وطن قومي لليهود في فلسطين، إلا أنه تضمن وعداً ثانياً يضمن للعرب سكنهم. لكنّ السياسي بريطاني اليهودي، وأول مندوب سام بريطاني في فلسطين السير هربرت صموئيل رفض بشدة أي اقتراح من شأنه تغيير الحدود التقليدية لفلسطين.
كانت وجهة نظر تشرشل حول ما يمكن تحقيقه في فلسطين المشتركة وردية للغاية بالنسبة إلى البعض في الحكومة البريطانية، بل إن موقفه في عام 1921 بالنسبة إلى الآخرين، قد شكل خيانة أكثر جوهرية لما وُعِدَ به اليهود. وقد كان موظف قسم الشرق الأوسط الصهيوني الكولونيل ريتشارد مينرتزهاغن رافضاً لكل قرارات تشرشل لأنه رأى أنّه يعمل على خلق وضع في فلسطين حيث تكون المصالح العربية مفضّلة بوضوح على المصالح اليهودية.
وصف مينرتزهاغن في ذلك الوقت تلك السياسة في إشارة إلى ما يعتقد أنها معاداة للسامية: «انفجرت غضباً عندما سمعت أن تشرشل قطع شرق الأردن عن فلسطين. كان لورنس يدعمه بالطبع، هذا يقلل الوطن القومي اليهودي إلى ثلث فلسطين التوراتية».
استمر الانقسام العربي - اليهودي الأساسي في تقسيم فلسطين الانتدابية بطريقة توحي بأنها قد تكون غير قابلة للحل. وبالفعل، فإن إحباط تشرشل من عجز بريطانيا عن تحقيق تمرير تسوية في فلسطين تسمح بعلاقة سكنية مدنية تتطور بين اليهود والعرب أصبح شديداً. لقد تشبث بحزم بالاعتقاد الأساسي بأن الشعبين يجب أن يكونا قادرين على إيجاد الوسائل التي يمكن من خلالها استيعاب بعضهما بطرق شوهدت في أماكن أخرى من العالم، داخل وخارج الإمبراطورية البريطانية.

أطلق أحدهم على المشاركين لقب «الأربعين حرامي»، ما أثار ضحكة خافتة من تشرشل


في الملف الفلسطيني، لم يكن تشرشل ساذجاً، أو مجرد موهوم كما كتب البعض. لم يكن افتراضه بأن اليهود والعرب قادرون على التوصل إلى ترتيب سياسي مقبول من أجل تقاسم المنطقة نفسها والعيش جنباً إلى جنب في انسجام توقعاً غير معقول، خصوصاً في عالم أصبحت فيه المبادئ التأسيسية لعصبة الأمم تقدم نموذجاً تنظيمياً للدولة الحديثة. وكانت توقعات تشرشل الخاصة بفلسطين متشابهة. اتفق مع صموئيل، على سبيل المثال، على أن إنشاء مؤسسات سياسية تشاركية للعرب واليهود يجب أن يكون جزءاً من الطريق إلى الأمام في فلسطين. وكتب تشرشل إلى جون شوكبيرج من قسم الشرق الأوسط في حزيران (يونيو) 1921: «أنا أؤيد بشدة إدخال المؤسسات التمثيلية في فلسطين».
بالنسبة إلى تشرشل، كان يوم 28 آذار (مارس) يوماً من الاجتماعات المكثفة، توِّج باستقبال غير ودود من الصهاينة البارزين في القدس. وفي اليوم التالي، زار موقع «الجامعة العبرية» المنشأة حديثاً في القدس. وفي 30 آذار، المفترض أن يكون آخر يوم لتشرشل في فلسطين، فقد أمضاه بالطريقة المزدحمة نفسها تماماً مثل الستة السابقة. وزار مدينة أريحا القديمة، بالإضافة إلى مجموعة من المستوطنات اليهودية الجديدة (الكيبوتس) في مدينة تل أبيب الساحلية المتنامية. وفي ذلك المساء، انتهى عمله في فلسطين، وغادر تشرشل البلاد بالقطار، عائداً إلى الإسكندرية حيث استقلوا على الفور سفينة متجهة إلى إيطاليا، ومن ثم بالسكك الحديدية لقضاء بضعة أسابيع وسط محيط الريفييرا الفرنسية، قبل وصوله إلى لندن بعدما أعاد رسم الشرق الأوسط.