يقول الشاعر والكاتب الاسكتلندي إدوين ميور (1887ـ1959) «إن ما يفتننا في رواية الحركة هو تمتّعنا اللامسؤول بأحداثها الصاخبة. أما لماذا يروقنا ذلك، فأمر نتركه لعلماء النفس». إذا ما أسقطنا هذه الجملة القديمة للشاعر على وصف الدراما، فربما برّر ذلك بشكل أو بآخر النجاح الجماهيري لمسلسلات تلفزيونية هزيلة على رأسها سلسلة «باب الحارة».
والأخيرة هي النسخة الأصل من دراما البيئة الشامية التي لهثت بعض الشركات السورية بشراهة لإنجاز نسخ مشوّهة عنها، بسبب سهولة تصويرها في الظروف الحالية وضمان تسويقها، من دون أن يعنيها التكرار المفضوح في حوارات هذه الأعمال ومفرداتها.
حالة الاستسهال فتحت الباب على مصراعيه للعبث بتاريخ أقدم عاصمة في العالم، والاختباء وراء حجّة واهية تزعم أنها تقدّم قصصاً شعبية تندرج ضمن «الفانتازيا الشامية» التي تعتمد على حارة افتراضية، وتبني أحداثاً كاذبة تنسب زوراً إلى عاصمة الأمويين. هكذا، شاهدنا حلقات من «باب الحارة 6» (كتابة سليمان عبد العزيز وعثمان جحى وإخراج عزام فوق العادة) مبنية بأسلوب كارتوني مُضحك يُحاول طرح إسقاطات سطحية في أماكن كثيرة، من دون تبرير الانقلاب الجذري في تركيبة الشخصيات.
أضف إلى ذلك تَيَهان المخرج وفشله الذريع في ضبط الزمن، حين قرّر أن يمرّر 3 سنوات بعد أحداث الجزء الخامس. هكذا، كبّر شخصياته من دون أيّ إشارة إلى ذلك، بينما ترك زوجة العكيد معتزّ (وائل شرف) حاملاً كما كانت في الجزء الخامس. فوقع المشاهد في حيرة إلى درجة أطلق فيها روّاد الفايسبوك نكتة تقول إنّ «زوجة العكيد دخلت موسوعة غينيس باستمرار حملها 3 سنوات». لم نر ابن دلال (أناهيد فياض) رغم أن الجزء الماضي انتهى وهي حامل، ثم فجأة وجد المخرج حلّاً سحرياً بعد عودة أبو عصام (عباس النوري)! فإذا بدلال تُخبر والدها أن ابنها ولد ميتاً، والأمر ذاته حصل مع زوجة العكيد، فعاودت الحمل بعد مرور هذه السنين! كل ما سبق في كفّة ولغة الخطابات الغريبة التي طغت على المسلسل في كفة أخرى، كأنّ السيناريو أُعيدت كتابته في «الإدارة السياسية - فرع التوجيه المعنوي» المختصّة بصياغة خطابات لرفع معنويات القوات المسلحة. نشاهد أبو النار (علي كريم) وقد أصابه مسّ بحبّ البلاد، فقرّر عدم رفع السلاح على أبناء «حارة الضبع» المجاورة لحارته، رغم أنه أمضى 5 أجزاء وهو يقود المعارك ضدّهم. أما أبو عصام (عباس النوري)، فقد عاد من السجن منظّراً سياسياً يردّ على ترشيحه لزعامة الحارة بالقول: «انتهى الوقت الذي نختار فيه زعيماً للحارة ونحن مُقبلون على بلد يحكمها الدستور والقانون». ثم ينفجر في وجه ابنه معتز، محذّراً من التطبيق الخاطئ لحدود الشريعة والتورّط في قطع الأيدي والرؤوس، ويصرخ في وجهه: «كلك اسمك فراري». إذاً، تسجّل السلسلة الشامية سقوطاً مدوّياً، وتطرح نفسها هذه المرة من الفضائيات السورية الرسمية بلغة بائدة. لكن الطامة الكبرى كانت في سياسة «غولدن لاين»، وهي تضع «باب الحارة» نصب عينيها، وتجرّب تقليده بأيّ شكل من الأشكال.
ورغم ما أنجزته سابقاً من أعمال رديئة من هذا النوع، إلا أن الشركة تُعيد الكرّة معتمدة على خفض أجور الفنيين وممثّلي الدرجة الثانية، مقابل استقدام بعض النجوم بأجور عالية، ثم البيع بأسعار زهيدة لأكبر عدد من القنوات. هكذا، خاطبت «غولدن لاين» المحطات لشراء مسلسلها «الغربال» لسيف حامد وناجي طعمي، منوّهة إلى أنها تجمع للمرة الأولى بعد «باب الحارة» النجمين بسام كوسا وعباس النوري، طالبة ثمن العمل كاملاً 25 ألف دولار. وبمجرّد بدء عرض «الغربال»، نكتشف أننا أمام اجترار لكل ما سبق أن قدّمته الدراما الشامية. نُتابع زعيماً يُقتل ابنه في الحلقة الأولى ويبدأ صراع الخير ممثلاً بـ«أبو عرب» (عباس النوري) والشرّ ممثلاً بـ«أبو جابر» (بسام كوسا) الذي يرتكب جرائم قتل متلاحقة ويتلاعب بمصير أبناء حارته، فيما تغرق زوجته في دهاليز الشعوذة.
لكن قد يسجّل لمخرج العمل تفوّقه على ذاته عندما جعلنا نشاهد الممثلة أمانة والي وهي في عقدها الخامس تضع مولودها بصعوبة بالغة! ربما كان يطبّق من حيث لا يدري قاعدة تُفيد بأن «الدراما فنّ اصطفائي يتقصّد اختيار حالات غريبة من أجل جذب المشاهد». ودوناً عن ولادة المرأة الخمسينية، لم نلمح إلا تكراراً لمشاهد وحكايات ملّ الجمهور طريقتها في استغبائه. وحده «بواب الريح» لخلدون قتلان والمثنى صبح خطف اهتماماً جديّاً، لكونه يعتمد على تاريخ حقيقي دقيق عاشته عاصمة الأمويين.
كذلك استخلص منه قصّة متماسكة برع المثنى صبح في صياغة صورة مُبهرة لها، آخذاً على عاتقه تظهير حالة التعايش التاريخي بين أهالي الشام على اختلاف أديانهم مسلمين ومسيحيين ويهوداً. لكن سجّل ضدّه المبالغة في تصدير هذه الحالة، ثم تقديم شيخ كار النحاسين يوسف آغا (دريد لحام) كملاك هبط لتوّه من السماء يظلم نفسه لمصلحة أبناء الكار، ثم يقف في وجه مخطّطات استعمارية لتهجير يهود الشام إلى القدس.

* «باب الحارة 6»: 21:00 على mbc1، و20:30 على lbci
* «بواب الريح»: 21:15 على «الفضائية السورية»
* «الغربال»: 20:30 على «الجديد»




حمّام «المصايب»

قرّرت المحطات السورية دعم المخرج مؤمن الملا بشراء مسلسله «حمام شامي» (كتابة كمال مرة) الذي صوّره في استوديوات خاصة في أبو ظبي، ولم يتمكّن من تسويقه العام الماضي لرداءة مستواه. لكن ربما كانت هذه المحطات ستخدمه أكثر لو امتنعت عن العرض بسبب حجم التهريج الذي يعتمده خاصة الممثل مصطفى الخاني (خرطوش). جرّب عبثاً تقليد كاراكتير تشارلي شابلن على مستوى الشكل، واستعار طبقة صوتية وحركات ساخرة زادت فشله في تقديم لحظة كوميدية واحدة. وسيتابع في أماكن أخرى محاولات هزيلة لتقليد مسلسل «صحّ النوم» (إخراج خلدون المالح)، وتقديم رامز أسود شخصية «أبو العناتر» التي سبق أن أداها ببراعة النجم الراحل ناجي جبر!