لا تزال نضال الأشقر مصرّة على إقامة «ملتقى الشباب في مسرح المدينة» (مِشكال)، غير آبهة بكلّ السواد الذي يسوّر البلاد ورافضة الاستسلام أمام الضيق. المعادلة بسيطة بالنسبة لـ «سيّدة المسرح اللبناني»: «كلّما استفحل الانحطاط في السياسة والأخلاق، كلّما بات لزاماً على الفنانين بذل جهود إضافية وتقديم إنتاجات ذات جودة وجمالية أكبر وأهم».بعدما قدّمت العام الماضي دورة متفرّدة تركّز بشكل أساسي على ورش العمل الخاصة بالعلاج بالمسرح، حملت اسم أسامة العارف وكلّها ثقة بالشباب والثقافة وقدرة الفنون على شفاء الوجع، تعود «زنوبيا» في 2022 بالنسخة العاشرة من الحدث البيروتي لكنّها مختلفة بكلّ المقاييس.


بعدما درجت العادة أن يُطلَب من الطلاب تولّي زمام الأمور من إدارة وتنفيذ واختيار عروض ومواد، سيكون «مِشكال» موجّهاً هذه السنة إليهم. فورش العمل المُدرجة ضمن برنامج الحدث الذي ينطلق الليلة في «مسرح المدينة» (الحمرا) حيث يستمر لغاية يوم الأحد المقبل، عالية المستوى وجاهزة لاستقبال الشباب الراغب في الإفادة من خبرات أسماء لامعة في مجالاتها، على قاعدة أنّ «مَن يستطيع الدفع فليفعل، ومن هو غير قادر على ذلك فليأت أيضاً»، وفق ما تؤكّد الأشقر في اتصال مع «الأخبار».
اختلاف الدورة العاشرة عن سابقاتها نابع من «المشكلات التي تعانيها الجامعات اللبنانية حالياً». هذا ما توضحه ابنة المناضل أسد الأشقر التي لا خيار أمامها سوى الاستمرار. وهي قادرة على ذلك «بسبب لبنانيين وعرب يساندون المسرح ويدعمونه مادياً ومعنوياً».
البداية ستكون مع «همروجة فرح في «مسرح المدينة»» (س: 20:00) التي تحييها مجموعة من الفنانين من أجل بثّ الفرح في نفوس الناس في أحوج الأوقات إليه. والفنانون المشاركون في هذه السهرة المجانية، هم الموسيقيون أسامة الخطيب (باص) ورمزي بو كامل (كيبورد) وإبراهيم الخطيب (درامز) وهادي عيسى (أكورديون) ووليد ناصر (طبلة)، بالإضافة إلى الفنانين: آية جوني وأشرف الشولي وحنين وسيرينا الشوفي وخالد العبد الله.
غداً الخميس، تنطلق ورش العمل مع السوبرانو اللبنانية غادة غانم (من س: 11:00 لغاية 13:00) تحت عنوان «اكتشف صوتك» (بالاشتراك مع عازفة البيانو جنى بوبكوفا) التي ستعرّف المشاركين على أسس الغناء الصحيح من خلال العمل معهم فردياً أمام الجمهور. هكذا، سيكتشفون مدى أصواتهم وتقنية التنفّس والموقف الجيّد ومنعة الغناء.
وعند الثالثة من بعد ظهر اليوم نفسه، تستلم أماني الدفّة لتعليم أصول الرقص الشرقي. وعند الساعة الثامنة، يُعرض فيلم «مدينتان» (2016 ــ 60 د) للبناني عمر نعيم الذي يمزج بين التوثيق والدراما والواقعية السردية. استخدم نعيم عدسته لرصد وتوثيق أحوال العاصمة اللبنانية المتردية أثناء الاحتفالية البيروتية في مناسبة مرور عشرين سنة على تأسيس «مسرح المدينة». واستوحى من الواقع الراهن الذي عاينه بأمّ العين وعبر الكاميرا، مضمون شريط مليء بالأحداث والعواطف. يسلّط نجل نضال الأشقر وفؤاد نعيم الضوء على العلاقة الجميلة والمؤثرة بين والدَيْه اللذين كرّسا أيامهما للمسرح والأضواء، ومع ذلك عاشا حياة شخصية حميمية لا أحد يعرف حيثياتها. «مدينتان» أشبه بشهادة حيّة عن المسرح والمدينة، تستذكر فيه الأشقر المسارح التي أقفلت في بيروت، منها «بابل»، «إسترال»، «البيكاديلي» و«بيروت». كما تشدّد على الكفاح المستمر لبقاء الخشبة على قيد الحياة. ويقارن العمل أيضاً بين «مسرح المدينة» حيث كل شيء مرتب ومنظم، وبيروت حيث تعمُّ الفوضى وتنتشر النفايات وينقطع التيار الكهربائي. ويوجّه تحيّة إلى الفنانين الذين، رغم كل الصعوبات المادية والمعنوية، يحاولون دائماً تحدّي الواقع ليمنحوا الناس الأمل بغدٍ أفضل.

الختام مع «تجربة أداء» التي ألّفها وأخرجها سامر محمد إسماعيل

بعد غدٍ الجمعة، مخصّص لمديرة مركز «كثارسيس للعلاج بالدراما» المخرجة والممثّلة اللبنانية زينة دكّاش التي تقدّم ورشة (س: 15:00) تحاكي واقعنا الطافح بالضغوط والصدمات، وتأثيره على صحّتنا النفسية. كما تتضمّن سلسلة تمارين لاكتشاف ما في داخل المرء التمكّن من مهارات التعبير والتحدّي وأخذ القرار والتفاوض والتغيير (hero›s journey exercises).
حصّة الشاب البريطاني آرثر ليسترانج وافرة في «مِشكال»، إذ يقدّم ورشة في 24 أيلول (من س: 10:00 لغاية س: 17:00) بعنوان «مقتطفات شكسبيرية جديدة» موجّهة للممثلين وكتّاب المسرح. وفيها، سيشكّل المشاركون اثنين إلى أربعة قطع شكسبيرية جديدة باتباع منهجية دقيقة، يستخدمون خلالها موادّ من مسرحيات «بركليس أمير صور» و«سيمبلين» و«حكاية الشتاء».
وفي اليوم التالي، يحين موعد ورشة ثانية مع ليسترانج اختار لها اسم «أحلام الجوقة ــ هيرميون وإيموجين» (س: 14:00). إنّها عبارة عن مقدمة لمناهج المسرح المبتكر ضمن معايير العالم الشكسبيري حيث الشخصيات النسائية هي المكوّن الأساسي. ومن المفترض أن يخلق اللعب في حركة الصوت والتقاذف اللفظي جوّاً مرحاً ومفعماً بالحيوية.
وفي تمام الساعة الثامنة، يُختتم المهرجان بنكهة سورية مع مسرحية «تجربة أداء» (Casting) بالتعاون مع «فرقة المسرحي القومي بدمشق». العمل الذي ألّفه وأخرجه سامر محمد إسماعيل، يتشارك أداءه كلّ من عامر العلي ودلع نادر ومجد نعيم. ويتمحور حول مخرج سينمائي يقوم بتجارب أداء لانتقاء بطلة شريطه الموعود. وبعدما يفقد الأمل بالعثور على ضالته تظهر «جوليا» التي ستغيّر مجرى الأحداث وتنبش عميقاً في ماضي المخرج والسيناريو الذي أنجزه.
هذا العرض السوري هو شرارة انفتاح «مسرح المدينة» مجدّداً على العالم العربي بعد انقطاع فرضته الظروف القاسية التي ترزح تحتها البلاد. إذ تعدنا نضال الأشقر بأنّ في جعبتها برمجة شتوية «غنيّة ولافتة ومتطوّرة» تشمل تونس والمغرب وربّما مصر.

* مهرجان «مِشكال»: من اليوم لغاية الأحد 25 أيلول (سبتمبر) الحالي ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 01/753010