اللاعب في المونديال في البرازيل يمتلك سماته الشخصية. لن يبني حضوره خارج الصفات هذه. كل لاعب باسم وصفات، من ميسي إلى سواريز وماسكيرانو ودي ماريا وكريستيانو رونالدو وهالك ونيمار وفريد. ثمة لاعبون بلا صفات ولا أسماء ولا هويات. يصلون إلى المونديال هكذا. وصول غير واعٍ، لن يلبث أن يتحول إلى غير ذلك إذا تقاسم اللاعب هذا المستطيل الأخضر، بمهاراته، مع اللاعب ذي الإبداعات المسطرة.
لا عجب في أن اللاعبين، لا يتقاسمون البلاغات المشتركة، لأنّ الأخيرة لا تمنح لكثيرين. ثمة ما يبرر ذلك، حين يمتلك لاعب مراجعه الأسلوبية، وحين لا يمتلك الآخر المراجع الأسلوبية هذه. لا يلتقي اللاعبون في السياقات العامة ولا السياقات الخاصة. من هذه الزاوية، لا يمنح اللاعب العادي حق الرعاية من شركات الإنتاج والإعلان العالمية. لا تفعل الشركات الشيء ذاته مع اللاعبين. لن تسمح لذاتها بذلك، لأنّ حياتها المشتركة تقوم على المفاهيم الاقتصادية الرأسمالية الوحشية. إبراز لاعب، تجريه الشركات على الماكينات الاقتصادية، ذات الرؤى المزدوجة.
لن تقاسم الشركة الشركة الأخرى التصورات الحصرية، لأنّها الأدرى بأن المونديال اقتصادي، ليس عند الفيفا وحدها، بل في بلدان المنتخبات المشاركة في المونديال. خسر الاقتصاد الإنكليزي مثلاً ملياراً و300 مليون دولار، نتيجة الخروج المبكر للمنتخب الإنكليزي من دوري المجموعات في المونديال البرازيلي. تراجع حضور المشجعين في الحانات، ما يعني تراجع شرب البيرة وشراء القمصان الخاصة بالمنتخب والعلم الانكليزي وشعار الأسود الثلاثة.... خسر التوزيع من قلة الاستهلاك. للرؤية الرياضية، زوايا كوكبية تاريخية ومعاصرة. الأبرز عمل الاقتصاد على رسم حضور الشخصيات في الصور الموازية. الصورة من الصورة الحقيقية، غير أنها تنتمي إلى مجتمعات التواصل الشاملة. واحدة من شركات المشروبات الراعية، خلقت ما يوازي الحضور الشخصي لأبرز اللاعبين، في لوحة عريضة تجاورت فيها صور اللاعبين المختارين كنماذج معاصرة، يتعلق حضورها لا بتعريفات الهويات الوطنية، بل بما تريده شركة المشروبات الغازية الفوارة. رسم وجوه اللاعبين الدعائية في طوبوغرافيا جديدة.

خسر الاقتصاد الإنكليزي ملياراً
و300 مليون دولار نتيجة الخروج المبكر للمنتخب الإنكليزي
مطبوعات تطرح المقاربات الأسلوبية والتقنية والجمالية، بين المنتجات والإبداعات المعاصرة. التأمل في اللوحات الدعائية هذه، حيث تتكاثر في المناسبات الرياضية العالمية (المونديال، كأس الأمم الأوروبية...) يدفع إلى تأكيد أنّ العاملين في مجال الإعلان الدعائي في الرياضة، لم يعودوا يعملون إلا في مجالات عولمة الفن من خلال عالمية كرة القدم. إدامة الرؤية في الوجوه، ميسي وسواريز وسيرخيو راموس وغيرهم، تكشف النقاب عن ابتعاد المنتجات الدعائية عن الكيتش، لصالح الثقافة، ذلك أنّ التداخلات المكونة للوجوه الإعلانية، تحيل فوراً على التعبيرات اليونانية القديمة. كل لاعب مختار، مركزي الحضور، يوناني (مفهوم المركزية يوناني). الهوية اليونانية، هنا، آليات دمج وطرد. تدمج الملامح الأوروبية والأميركية اللاتينية، في التقاطعات الممكنة بين الملامح هذه والملامح اليونانية. سنرى أميركا اللاتينية والتطبيعات الأوروبية في وجه ميسي كمثال، من لعبه المستمر مع برشلونة الإسباني، في مناخ العالم الثقافي اليوناني المعمم. لا سهولة منال في تعارض العصرنة والتاريخانية في الصور. تراجيديا الإشفاق على الضحايا في المسرح اليوناني، ممسوحة على الوجوه المستسلمة أمام آلات التصوير. تضخيم لمقاطع وتصغير لتفاصيل. يدافع اللاعب عن حضوره في الصورة، وفق العلاقة بالماضي، بهدف تحقيق العدالة. ذلك أنّ اللاعبين لا يلعبون في المونديلات لمصالحهم الشخصية، بل لمصالح بلدانهم ومصالح الجماعات غير الممثلة بمنتخباتها في المونديال، من ضعف المنتخبات وعدم قدرتها على التمثيل. يستقوي غير الممثل بالممثل. يضحي نموذجه ومثاله، يضحي قوته المفقودة. صيغ فرعية. هكذا تبدو. غير أنها أساليب توضيح التناسب وتلزيم الآخر تمثيل النفس. إثبات أخلاقي.
يحتاج الإثبات الأخلاقي هذا، إلى توافر الإثبات العاطفي. كل شيء يحتاج إلى قوة هنا، بحيث يمنح الضعيف ما تبقى من قواه، لمن يمثله. لا أقنعة لتوضيح الوجوه على خشبة المونديال، ولا أبواق لإيصال الأصوات. وجوه واضحة وأجساد غير خبيئة. أجساد نموذجية محفورة برغبات اليوناني القديم، ببناء الجسد وإقامة النظام والاستمرارية والتقدم لحماية النظام. هناك مصطلح مرتبط بالقصة، فإذا أكل اليوناني فوق حاجته، ما قد يهدد قده، بادر إلى وضع الأصابع بالحلقوم كي يتقيأ ما زاد عن حاجة جسده المصقول. أجساد مخططة، على مستوى البطن، مشدودة على مستوى الصدر، ملائكية على مستوى الوجه. تغيب الأقدام عن هذه الملصقات، لا بسبب الموقف. بسبب الظروف، هي الأساسية في لعبة كرة القدم. الحبكة المتماسكة تقع في الجزء العلوي من الجسد. أما الجزء السفلي، فمتروك لكيفيات الاستخدام في الملاعب.
خرج كريستيانو رونالدو من التصفيات. لم يحول اللاعبين الآخرين إلى ماء، كما حدث في الملصق الإعلاني الخاص بشركة الملابس الرياضية. نبؤة. ذلك أنّ اللاعبين، ساحوا في رطوبة المدن البرازيلية العالية. تحولوا إلى ماء وهم يجرون خلف الكرات والأهداف. نتيجة حتمية. لا يزال اللاعبون، على المصلقات الإعلانية، على أهبة الاستعداد للمشاركة في الماراتون اليوناني رغم وصول المونديال إلى نصف النهائي بفرقه الأربع. تلك دراما الإعلان. تلك معجزته، المعتمدة على تنوع الوسائط، بشرط حماية الرأسمال عبر استدراج المشاهد بتسليته، بالطرق الأكثر تأثيراً في اقتصاده الفردي.