يبدو أنه أسبوع غروب الكبار في سوريا. أوّل من أمس أنطوانيت نجيب (1945 ــ 2022) وصباح أمس الممثل الفلسطيني السوري المخضرم بسام لطفي (1940 ــ 2022)، الرجل الذي يحمل بطاقة رقم واحد في نقابة الفنانين، ويُعدّ أحد أبرز من أسهموا في تأسيسها. أدّى دور البطولة في تمثيلية «الغريب» وهي الإنتاج الأوّل للتلفزيون السوري عندما كان يبثّ من قمّة جبل قاسيون، وكان حاضراً في أوّل تمثيلية إذاعية سورية، وأوّل فيلم من إنتاج «المؤسسة العامة للسينما». كان ممن وضعوا مدماكاً تأسيسياً لـ «المسرح القومي» و«المسرح العسكري» الذي سيشكل فعلياً منطلقاً لعدد كبير من الفنانين السوريين، ومكاناً لخدمة علمهم الإجبارية بالنسبة إلى الذكور. لاحقاً، سيطلّ ابنه الممثل المعروف إياس أبو غزالة وخرّيج «المعهد العالي للفنون المسرحية» ليكشف فقط من خلال اسمه الذي طُرح للتداول على المستوى الفني والتأسيسي لفن الدوبلاج، حقيقة أن والده تخلى في ظهوره العلني عن كنيته لصالح اسم أبيه، وسيُعرف عربياً طوال حياته باسم بسّام لطفي. وسيعثر من ينقّب في تاريخ الرجل على تحفة أثرية تتعلق بأسرته الفلسطينية المناضلة، مع والد مدرّس وصانع جيل ربّاه على مقارعة الاستعمار الصهيوني، وأمّ وقفت كتفاً إلى كتف مع جيش الإنقاذ العربي الواصل من سوريا عند اندلاع حرب عام 1948، إذ ساعدت في تأسيس مستشفى ميداني في مدينتهم طولكرم، ومن ثم تولّت مهمة طهو الطعام لمجموعة كبيرة من الجنود، إلى أن خرجت العائلة كلّها مع الجيش إلى سوريا، بنية العودة بعد فترة. استمرّت الحال إلى الستينيات، حين عاد الراحل إلى بلاده، لفترة وجيزة قبل أن يغادرها نهائياً بعد نكسة عام 1967 إلى أن أغمض عينيه وانطفأ صباح أمس في الشام. المدينة التي علقت في روحه ووجدانه مع عائلته. بمجرّد انتشار خبر رحيله، ازدحمت صفحات السوشل ميديا بنعي بسام لطفي والحديث عن طيب أثره، لكن أبرز ما نُشر كان على صفحة النجم السوري مصطفى الخاني الذي أعاد تدوير ما كتبه عنه قبل ثلاث سنوات مرفقاً بفيديو مصوّر لهما أثناء عملهما في «إذاعة دمشق»، حكى فيه الراحل عن تاريخه مع الإذاعة والنقابة والتلفزيون ومؤسسة السينما! استطرد الخاني باستعادة فيض من ذكرياته عندما كان يدرس برفقة إياس ودعي مع بقية الدفعة للإفطار في رمضان في بيت الراحل، وحضروا معه مسلسلاً من بطولته بعنوان «بنت الضرّة» (1997 ــ كتابة فؤاد شربجي وإخراج بسام سعد) وكيف ترك المشهد أثره العميق في نفوس طلاب تمثيل، يشاهدون للمرّة الأولى ممثلاً إلى جانبهم وعلى التلفزيون في الوقت نفسه.لن يكون مجدياً كما ينبغي الخوض في تاريخ الراحل، كونه عامراً إلى حدّ الفيضان بالأعمال الفنية: مسرحيات وأفلام ومسلسلات. لكن يجدر التذكير بأبهى المحطّات وأكثرها إضاءة. في المسرح «شعب لن يموت»، وفي السينما «رجال تحت الشمس» (عن رواية غسان كنفاني، إخراج نبيل المالح) و«دمشق مع حبي» (لمحمد عبد العزيز)، وفي أشهر مسلسل إذاعي سوري وهو «حكم العدالة» (تأليف المحامي الراحل هائل اليوسفي وتعاقب عليه عدة مخرجين عليه). أما تلفزيونياً فله أكثر من مئة مسلسل أبرزها: «هجرة القلوب إلى القلوب» (عبد النبي حجازي وهيثم حقي)، و«التغريبة الفلسطينية» (وليد سيف وحاتم علي)، و«نهاية رجل شجاع» (عن رواية حنا مينه، سيناريو وحوار حسن م يوسف وإخراج نجدت أنزور)، و«يوميات مدير عام» (الجزء الأول لزياد الريّس وهشام شربتجي).
في حديثه مع «الأخبار»، يقول النجم السوري عبد الهادي الصبّاغ: «من عرف بسّام لطفي لم يلمس منه سوى الطيبة، والانكفاء بعيداً عن سفاسف الأمور والتفرّغ لجوهرها وهو العمل. معرفتي به امتدت منذ سبعينيات القرن الماضي. حينها رشّحنا لبطولة فيلم «الاتجاه المعاكس» (إخراج مروان حدّاد وكتابته بالتعاون مع حسن سامي يوسف) إلى جانب صباح الجزائري ومنى واصف وكان شغلنا سوياً. ومنذ ذلك الوقت وحتى آخر مرة رأيته فيها، لم يكن يقول لي إلا أهلاً بالشريك. برحيله يغيب قسط يسير من طيبة ونقاء الوسط الفني اللذين كان يمثّلهما بحضوره».
أما ابنه الممثل إياس أبو غزالة، فغلبته دموعه أثناء ردّه على تعزيتنا، مفضّلاً في مثل هذا الموقف أن يوجّه شكره إلى كلّ من يقف قربه في هذه اللحظات العصيبة. أما عن تفاصيل الجنازة والعزاء، فأوضح أنّ موكب التشييع سينطلق اليوم السبت من «مشفى الأسد الجامعي» في حيّ المزّة عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، على أن يُصلّى على جثمانه عقب صلاة الظهر في جامع «لالا باشا» (شارع بغداد، بجانب نقابة الفنانين)، ثم يوارى الثرى في «مقبرة الدحداح» في شارع بغداد لتقبل التعازي في اليوم نفسه وغداً الأحد في «صالة دار السعادة» في المزّة، من الساعة السادسة حتى الثامنة مساءً.

رابط الفيديو انقر هنا