ينطلق مهرجان «آخر أيام الصيفية»، يوم الجمعة المقبل، بهدف توفير مساحة فنية وتعبيرية، في قرية بتلون في الشوف. يتوق الحدث ليكون متنفّساً لكل الحضور والمؤدين. في دورته الثانية، يعزز «آخر أيام الصيفية»، اللامركزية الثقافية، والإنماء الثقافي المتوازن، في ظل سياسات التهميش الرسمية المستمرّة منذ عقود. يجمع المهرجان، التي تنظّمه جمعية «سرمدى»، بين الفن، والثقافة، والزراعة، ضمن رؤية تبحث عن حلول مستدامة في هذه القطاعات، من أجل العيش والبقاء في الأرياف. شهد بيت «سرمدى»، المترامي على أحد وديان قرية بتلون، تاريخاً عامراً، على مدى عقود من الزمن. كان أول مدرسة في القرية منذ أكثر من مئة عام. تحوّل في ما بعد ليكون مركزاً للـ «مخترة»، أيام المتصرفية. بعد ذلك، صار مركزاً بلدياً. تحولات عديدة، أفضت ليكون البيت التاريخي، على شكله الحالي. مساحة داخلية مجهزة لتقديم ورش العمل في المسرح، والرقص، وفنون الأداء. تحيطها مساحة زراعية وحديقة، يشرف عليها شبان مبادرة «طريق النحل»، وهدفها الحفاظ على التنوع البيئي والبيولوجي. في نهاية الأسبوع الحالي، سيكون بيت «سرمدى»، ملتقى للرواد والمهتمين، لحضور مهرجان «آخر أيام الصيفية»، الذي يبدأ بنزهة في قلب طبيعة بتلون، من الساعة الخامسة، وحتى السادسة والنصف، يتعرف فيها الناس على أهمية التواصل مع البيئة. يتبعها ورش عمل يومية، في صناعة الفخار، والأخشاب، والمنحوتات، حتى السابعة والنصف، على أن يتم فتح سوق المونة للنساء المشاركات، لبيع منتوجاتهن. وبذلك، يكون شعار هذا العام، «من المونة عم نعمل فنّ» في خطوة هدفها أولاً، تشجيع النساء على بيع محصولهن السنوي، لتأمين معيشة عوائلهن، وثانياً، للبحث عن مصادر تمويل لجمعية «سرمدى»، ما يحقق ديمومة للاستمرار والاستدامة، للعيش والبقاء.
إلى جانب ذلك، سوف يستضيف مهرجان «آخر أيام الصيفية»، Open Mike، وسيتمكن عدد من المشاركين من تقديم الشعر، الغناء، الموسيقى، المسرح، الستاند أب كوميدي، الزجل، الرقص، وموسيقى الراب. «تحقق مشاركة المؤدين والجمهور على حد سواء، تنفيساً لهم، في ظل الأوضاع والتحديات التي يواجهونها، وتخلق مساحة للتعبير»، يقول لنا مدير المهرجان وجمعية «سرمدى» زاهر قيس، ويضيف: «ينشأ فضاء مسرحي، من حيث لا ندري». الجمهور يجهز للاستماع إلى المؤدين، الذين يقومون بدورهم بالتعبير عن مكنوناتهم، من دون أي تدخل من قبل المنظمين».
توفير مساحة فنية وتعبيرية في قرية بتلون في الشوف


لا تتطرق مضامين المؤدين إلى «السياسة والدين»، فـ «نحن لسنا منصة لطرح السياسة، وإنما لطرح الفن» يقول قيس. إلا أنّ السياسة تشكّل، أكثر من أي وقت مضى، جزءاً حاسماً في يوميات اللبنانيين، فلماذا يجب عدم إقحام مضامينها في قلب مهرجان هدفه تعزيز اللامركزية الثقافية، والثورة على الإقطاع والتهميش ومقاربة أزماتنا الاقتصادية والسياسية؟ سؤال لا بدَّ من أن يضعه القائمون على المهرجان في اعتبارهم. وعن الأثر الاجتماعي للمهرجان، يقول زاهر قيس «إن إيلاء صحتنا النفسية أولوية قصوى، وخلق مساحة للقاء المحليين والوافدين إلى المنطقة، هو شيء أساسي بالنسبة إلينا. إذ يشكل المهرجان، ملتقى تعارفياً، ويخلق في أنفسهم شعوراً بالأمان، لتبادل أحاديث تتعلّق بالثقافة والفنون، وتعريفهم على بدائل فنية وموسيقية ومسرحية، وبيئية، وحرفية، بعيداً عن كل ما هو سائد في المنطقة».
خلال العام الفائت، شارك في المهرجان حوالى 800 شخص، ومن المتوقع أن يلامس العدد هذا العام نفس الدورة الأولى. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على تعطش المنطقة للفن والثقافة. علماً أنّ جمعية «سرمدى» التي انطلقت عام 2017، متخذةً من المكتبة الوطنية في بعقلين مساحة لها، أسّسها عدد من خريجي دفعات المسرح في الجامعة اللبنانية. أرادت الجمعية أن تحقّق خرقاً في السياسات الإقصائية للثقافة، وتشكل نموذجاً ثقافياً، يجب تكراره، والعمل عليه، ليس في الشوف فحسب، إنما أيضاً على صعيد المحافظات كلها، خصوصاً أنّها لا تعتمد على نظام تمويل فردي، أو على الصناديق الثقافية الممولة فقط، وإنما تحقق ربحاً مادياً، يجعلها تحافظ على استدامتها من خلال تفعيل عمل المرأة، وبيع المونة، والتواصل مع الأرض. «وراء كل مرطبان مونة، هناك قصة» ووراء كل مشارك في الـ Open Mike، أو الميكروفون المفتوح، قصص، تروى، تؤكد على ضرورة البقاء والعيش في الأرياف.

مهرجان «آخر أيام الصيفية»: بدءاً من 12 حتى 14 آب (أغسطس) ـــــــ «بيت سرمدى» (بتلون، الشوف ــ من 05:00 عصراً حتى 10:30 مساءً)